-A +A
عبدالرحمن اللاحم
قد يكون قرار مجلس الوزراء بإنشاء صندوق النفقة من أهم القرارات التي أصدرها المجلس خلال الفترة الماضية، حيث إنه يعالج مشكلة معقدة وعميقة تمس شريحة واسعة من السيدات اللاتي كن ضحية لرجل انعدمت منه المروءة والنبل؛ فاستغل أولاده وأطفاله من أجل أن يصفي حساباته على مطلقته أو زوجته التي هجرها أو علّقها فمنع عنهم النفقة وأدخلهم في دهاليز الفقر والعوز، متنكراً بذلك لكل الفطر الإنسانية التي فُطِر ابن آدم عليها وهي شفقة الأب على ولده والتفكير في مستقبله وأن يتحمل أعباء الحياة وشدتها من أجل أن يهيئ لأطفاله وأبنائه حياة كريمة تليق بهم.

لا تجد الأم مسلكاً غير المسلك القضائي لملاحقة ذلك الأب المتنكر لمعاني الأبوة، فتبدأ قصتها مع المؤسسات القضائية من خلال رفع دعوى قضائية تطالب فيها طليقها أو زوجها بالنفقة، وتبدأ في الدخول في إجراءات قضائية معقدة وطويلة تستهلك عمر هذه المرأة حتى تصل في النهاية إلى صدور حكم قضائي يلزم الأب بالنفقة ويحدد مبلغها، وما إن تنتهي هذه الدائرة حتى تدخل المرأة في دائرة لا تقل عن الأولى تعقيداً ورتابةً، وذلك في الدوائر التنفيذية التي تقوم بتنفيذ هذا الحكم القضائي، ويستهلك عمر تلك السيدة بالمرور على مراكز الشرط ومحاكم التنفيذ في كل شهر من أجل تنفيذ هذا الحكم القضائي الذي قد لا يتجاوز المبلغ المحكوم به خمسمائة ريال تزيد قليلاً أو تنقص قليلاً، تستهلك معظمها في رحلات الليموزين من منزلها -إذا كان لها منزل -إلى المحاكم ومراكز الشرط لتنتزع ذلك المبلغ الضئيل من جيب ذلك البخيل منعدم المروءة.


جاءت فكرة صندوق النفقة لتقضي على هذه المشكلة وتتكفل الدولة من خلال هذا الصندوق بملاحقة هذا الأب الممتنع عن نفقة أولادهِ، فتقوم بالصرف مباشرةً على الأم وأطفالها، ويقوم الصندوق بالرجوع إلى الأب المحكوم عليه من خلال سلطة الدولة وأذرعها القانونية وتنفيذ الحكم القضائي في حقه، وتكمن عظمة هذه الفكرة أنها تفكير خارج الصندوق والتعاطي مع الإشكاليات القضائية بطريقة غير تقليدية وخارج الصندوق، وهو الأمر الذي لم يدركه الأخوة القائمون على وزارة العدل.

وهي خطوة تحسب لمن كان وراءها ودعمها حتى رأت النور وحال بينها وبين أن تغوص في أعماق الدوائر البيروقراطية كما غاص غيرها، وهو صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد الذي أيد هذه الفكرة الخلاقة ودعمها وتابعها حتى خرجت إلى العلن، ونأمل أن تكون هذه الفكرة بداية لمنظومة من الإجراءات غير التقليدية والتي تقضي على الكثير من إشكاليات المؤسسات القضائية المتعددة والتي أصبحت لا تخفى على أحد إلا على القائمين على إدارة الملف العدلي في البلد.