-A +A
سعيد السريحي
تهافت الفن، وعلى نحو خاص فن الغناء، نتيجة عاملين تكالبا عليه فانتهيا به إلى ما آل إليه اليوم من حال أصبح فيها مسخا لا يمكن معه اعتبار من ينتمون إلى حقله أحفادا لمن كانت أغانيهم تبني الذائقة العربية، مشكلة جزءا لا يتجزأ من النهضة التي لم تكن تتوقف عند الفنون فحسب، بل تشمل كافة جوانب الحياة.

يتمثل العامل الأول في ذلك التحريم المطلق للغناء والذي لا يفرق بين الغناء الذي يسمو بالعاطفة الإنسانية ويبعث فيها ضربا من الإحساس بالجمال الذي ينعكس على علاقتها بالعالم من حولها وغناء غث وضيع يستدر الشهوات ويستفز الغرائز ويئد في الإنسان كل إحساس بالجمال والسمو، أما العامل الآخر فيتمثل في «تسليع» الفن وفق نمط استهلاكي مكنت تقنيات تنقية الصوت من توظيف طوابير ممن يدعون الانتماء للفن والفن منهم براء من الغناء والمشاركة في التجارة الرائجة التي قامت عليها شركات إنتاج وتبنتها قنوات ومحطات تلفزيونية لا هم لها إلا استدراج المشاهدين واقتطاع أكبر نصيب لها من كعكة الإعلانات.


انتهى الغناء إلى غناء لا يشبه الغناء، لا يتجاوز أن يكون كلمات متهافتة وإيقاعات مكررة صاخبة وكل ما يحمله من يؤدونه من مؤهلات لا يتجاوز صدر مغنية شبه عارٍ ورشاقة مغنٍ يتمايل بقده المياس على خشبة المسرح، وابتلي الغناء بأغان تشبه أزياء الموضة التي تستهلك خلال سنة أو فصل من السنة أو مناديل الكلينكس التي لا تصلح للاستخدام إلا مرة واحدة.

وقد فاقم من مأساة الفن تقاعس الدول والحكومات عن دعم الفن الرفيع مما جعل شركات الإنتاج تنفرد بالمستمعين وتعمل على إفساد ذائقتهم وفق أسلوب ممنهج، حتى انتهى الحال بمن يجهد في الحفاظ على سلامة ذائقته أن يردد من غيظه مما يرى: إن كان هذا هو الفن فهو حرام دون شك.