-A +A
نجيب يماني
دُعيت لأشهد ولادة مشروع الفيصلية ضمن المبادرات البناءة لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مكملاً بدايات والده الملك فيصل رحمه الله الذي لاحق الإنسان بالعلم في كل مكان فمنحه للمدينة والقرية والسهل والجبل والساحل، فكان بناؤه للإنسان أصل المملكة وقوتها، ليحمل الابن رسالة والده ملوناً شعار المرحلة (نحو العالم الأول، بناء الإنسان وتنمية المكان) مرتكزاً في تطلعاته على أن الكعبة بيت الله في الأرض هي الأساس والمنطلق لمشروع التنمية والبناء والارتقاء بتنمية إنسان المنطقة ليتحقق على يده النهوض بمستوى الخدمات المقدمة وكذلك التنمية المستدامة المتوازية بين الإنسان والمكان، وتكون مكة المكرمة نموذجاً مشرفاً وملهماً للمملكة وللعالم الإسلامي ثم للعالم أجمع، وقد أتت مبادرات الفيصل تترى تباعاً من أجل تحقيق هدفه المرسوم بدقة وعناية فكان مجلسه لا يخلو من المناقشات وطرح الأفكار والدراسات وورش العمل لكافة فئات المجتمع المختلفة، مشروع الفيصلية الأضخم من حيث المساحة يعتبر امتداداً عمرانياً لمدينة مكة المكرمة، تفضل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله في بادرة ليست بغريبة على هذه الأسرة الكريمة فوجه بتسمية المشروع الفيصلية بدلاً من السلمانية مؤثراً أخاه الأكبر الملك فيصل بهذه التسمية عرفاناً بدور الأخ وتقديراً لاجتهاد الابن.

إن طرح المشروع للقطاع الخاص للمساهمة والمشاركة فيه فرصة آنية لرد جميل الوطن، فمعركة البناء والتنمية منذ البداية اعتمدت على ثوابت ومرتكزات كان أحد روافدها إنسان الوطن، مقدما له كل الحوافز والتسهيلات في جو مفعم بالأمن والأمان مهيئا له المناخ المناسب ليشارك في عملية البناء والتشييد، لم يبخل ولم يقف في طريق مسيرته وصعوده سلم المال والغنى بل بنى له جسراً من الثقة ليمشي عليه آمناً مطمئناً متأكداً أن ما قدمه لهؤلاء في البداية سيجني ثماره آجلاً وأن دورهم آت لا ريب فيه ليردوا للوطن معروفه. وها هي الفرصة قائمة ليسهم القطاع الخاص والتجار بدور متعاظم لبناء الفيصلية وإكمال مراحلها بكل ما فيها من عناصر وأدوات حضارية.


وردتني رسالة قارئ كريم يقول فيها إن مشروع الفيصلية يهدف إلى تحقيق المزيد من التنمية والتطوير وإتاحة فرص العمل بما يتوافق مع رؤية 2030، ولكن لديّ ملاحظات متعلقة بمدينتي مكة المكرمة وجدة والحدود الفاصلة بينهما. فمكة المكرمة لها خصوصيتها ومكانتها المتميزة في قلوب أكثر من مليار مسلم.

وقد حدّد لها الإسلام حدوداً، هي حدود الحرم، أي أن مسمّى مكة ينطبق على المساحة الواقعة داخل حدود الحرم، وأي امتداد خارج حدود الحرم لا ينبغي أن ينسب لمكة المكرمة بما لها من خصوصية وشروط في الدخول والمكوث.

ونظراً للتقارب المتواصل ما بين جدة ومكة أرى أن توضع ضوابط لإيقاف هذا التقارب المؤدي إلى اندماج المدينتين في المدى الطويل بما يتنافى مع تميُّز مكة وخصوصيتها، وقد ورد في الأثر: أنّ هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض وأن الله لم يحلّه لي إلا ساعة من نهار، وقد عادت حرمته اليوم كحرمته بالأمس.

فلا بد من مراعاة استقلال مكة جغرافياً من منطلق إسلامي، وعدم دخولها في جدة حتى يظل مسمّاها القرآني منطبقا عليها.

معتقداً أن مشروع الفيصلية سوف يؤدي إلى اندماج المدينتين إذا تم تنفيذه انطلاقاً من مخطط (وليّ العهد) في مكة وصولاً إلى البحر الأحمر، لذلك أناشد صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، العمل على معالجة هذه الملاحظة بما يحقق إنشاء ضاحية الفيصلية على امتداد ساحل البحر الأحمر جنوبي جدة دون التوسع ناحية مكة.

ووفقاً لخريطة بلديات مدينة جدة في موقع الأمانة، فالعديد من المساحات المندرجة ضمن ضاحية الفيصلية هي بالأساس جزء من النطاق الجغرافي الخاص ببلدية الجنوب التابعة لمدينة جدة ويقع في نطاقها أكثر من 15 حياً تابعاً لمدينة جدة مثل: حي الوادي والقوزين والمليساء والمسرة والبركة والرحمة والقرينية،،الخ.

فلا بد من مراعاة تنفيذ هذا المشروع بحيث يتم بمحاذاة البحر الأحمر دون الزحف ناحية العاصمة المقدسة، وعلى أمانتي جدة ومكة المكرمة التنسيق المتواصل بينهما فيما يتعلق بالتخطيط العمراني للمدينتين لضمان عدم اندماج المدينتين، وأن على جدة أن تتمدد شمالا وجنوبا والتقليل من التوسع شرقاً، وأن على مدينة مكة المكرمة الزحف شمالاً وشرقاً والتقليل من التوسع غرباً بقدر الإمكان.

من المناسب في هذه المرحلة تحديد حِمى لمكة خارج حـدود الحرم بمسافة 20 كيلو مترا تمتد على كامل محيط مكة يُمنع فيها البنـاء منعاً تاماً وتعامل هذه المساحات كمحجوزات تابعة لإمارة منطقة مكة المكرمة (مثل محجوزات شركة أرامكو)، حيث إن هذا الإجراء في اعتقادي هو الأنسب للحفاظ على هوية مكة وخصوصيتها. أضع هذه الرسالة أمام المسؤول الأول عن تطوير المنطقة، فإن أصاب صاحبها فله أجران وإن أخطأ فله أجر بإذن الله. وكلنا نرنو إلى مهبط الوحي محبة وإجلالاً، فلها في قلب القيادة مكانة عليا ونحن كذلك.