-A +A
هاني الظاهري
مفزع وموجع هو التقرير الذي بثته قناة mbc قبل أيام من تقديم الزميل الإعلامي سامي جميل عما آلت إليه اليوم أحوال نجوم الفن السعوديين الذين تسيدوا الساحة في فترة السبعينات والثمانينات والتسعينات.. مفزع لأنه يضعنا بكل بساطة عرايا مجردين من أي وفاء أو مروءة أمام هويتنا الثقافية وتاريخنا الفني الذي لطالما فاخرنا به كسعوديين، بل وسابقنا الزمن لتقديمه إقليميا وعالميا.. وموجع لأنه يقذف في وجوهنا حقيقة مرة اعتدنا على أن نهرب منها دائما وهي أن الشهرة والأضواء والمال أمور زائلة ولن يجد الإنسان في نهاية حياته أحدا بجواره سوى من أحبوه بصدق لذاته لا لموهبته أو شهرته مهما بلغت.

ظهر في التقرير أحد أهم رموز الفن السعودي الموسيقار الكبير (غازي علي) تلميذ السنباطي المفضل وصانع عدد كبير من نجوم الأغنية الخليجية.. ظهر في حال يرثى لها منزويا في شقة متواضعة تدفع إيجارها إحدى شقيقاته، موضحا أنه لا يملك ما يصرف به على نفسه وهو في خريف العمر، هذا بجانب معاناته من مرض السرطان ومتاعب صحية أخرى.


تطرق التقرير أيضا لوضع الموسيقار الكبير سراج عمر والفنان حسن دردير وزميله الممثل حمدان شلبي وجميعهم ليسوا بأفضل حال ممن سبقهم من جيل الرواد الذي أعطتهم الدنيا ظهرها ونسيهم الحاضر كأن لم تلمع نجومهم يوما.

أعتقد أن هناك واجبا أخلاقيا لم تلتزم به وزارة الثقافة والإعلام تجاه هؤلاء الرواد، وليت معالي الوزير عواد العواد الذي ينشغل هذه الأيام بمشروع تطوير الإذاعة والتلفزيون يوجه سريعا بتشكيل لجنة بإشرافه الشخصي مهمتها دعم ورعاية كبار السن من رموز الثقافة والفن والإعلام الذين يستحقون من وطنهم لمسة حانية وهم في أواخر العمر، مع تخصيص معاشات شهرية تعينهم على تدبر أمورهم الحياتية وتقديم بطاقات التأمين الصحي لهم لضمان تلقيهم رعاية صحية لائقة، فذلك برأيي لن ينقص شيئا يذكر من ميزانية الوطن الذي نشروا فنه وثقافته طوال سنوات عمرهم.

تقرير mbc المحزن ذكرني شخصيا بلقاء جمعني قبل أسابيع بأحد أشهر نجوم الإعلام والثقافة والشعر الحداثي في فترة التسعينات وهو صاحب مؤلفات شهيرة توزعها أهم دور النشر العربية، ويعمل حاليا بمهنة سائق في إحدى شركات توصيل الركاب عبر التطبيقات الهاتفية، إذ بات هذا مصدر دخله الوحيد.

التقيت بالإعلامي العتيق مصادفة عندما تعطلت سيارتي وطلبت سيارة عن طريق الهاتف لأتفاجأ بأنه هو السائق أو «الكابتن» كما وصف نفسه ضاحكا خلال حديثي معه.. كان واضحا أن أوضاعه المادية ليست على ما يرام، لكنه أصر على أنها «مستورة».. سألته عما جناه من تلك الإصدارات التي كانت تتناولها الدراسات في الصحف العربية كل أسبوع، فقال «لا شيء» مؤكدا أنه لا يحتفظ بأي نسخة منها.. لكني قرأت في عينيه حزنا باردا يقول: الشهرة وهم زائف لابد أن يتلاشى يوما.. فلا يغتر بها أحد.