-A +A
طارق فدعق
خلال هذه الأيام كانت ذكرى الرحلة التاريخية إلى القمر. كان 21 يوليو 1969 هو يوم نزول رائدي الفضاء «نيل أرمسترونج، وإدوين ألدرين» في منطقة بحر الهدوء على سطح القمر. وإلى يومنا يوجد ممن يشكك في حقيقة وصول الإنسان إلى القمر، ولا عجب في ذلك لأنها حقيقة أغرب من الخيال. وإليكم بعض التفاصيل: تعريف الفضاء الخارجي يبدأ على ارتفاع 100 كيلومتر عن سطح البحر فقط. ومعظم رحلات الفضاء كانت ولا تزال على ارتفاع يصل إلى حد أقصى مقداره حوالى 800 كيلومتر. وأما برنامج «أبولو» لاستكشاف القمر الذي بدأ في عام 1961 فقد وصلت مركباته إلى القمر وتبلغ تلك المسافة حوالى 400 ألف كيلومتر عن الأرض.. يعني الفارق هنا تقريبا مثل المشوار بالليموزين من عمارة الملكة في وسط البلد في جدة إلى مطار الملك عبدالعزيز، مقارنة بالمشوار لنفس الليموزين من نفس النقطة إلى مطار هيثرو في لندن.. وأكثر. ومن الضرورة الأخذ في الاعتبار المستويات المتواضعة لتقنيات حقبة الستينات الميلادية. كانت تقنيات الحسابات، والاتصالات، والدفع، والطيران، والملاحة بدائية لدرجة أن من الصعب أن نتخيل أنها قادرة على تسخير تجهيزات رحلات إلى القمر.. يعني لا مؤاخذة جهاز نوكيا «أبو كشاف» لديه قدرات حاسوب أكثر من المركبات الفضائية آنذاك. وكانت أحد المحفزات الرئيسة لهذا البرنامج هو تفوق الاتحاد السوفيتي في الفضاء بشكل مخجل للولايات المتحدة: تفوق الروس في إرسال أول قمر صناعي (سبوتنك) عام 1957، ثم إرسال أول مخلوق حي (الكلبة لايكا) عام 1957، ثم إرسال أول رجل فضاء (جاجارين) ليدور حول الأرض عام 1961، ثم إرسال أول امرأة لتدور حول الأرض (تيريشكوفا) عام 1963، وإرسال أول مركبة برائدي فضاء وأول رجل يسبح في الفضاء الخارجي (ليونوف) عام 1965، بل وأول مركبة تصل إلى مدار القمر (لونا) عام 1966. وواجهت أمريكا التحديات بالإعلان عن برنامج الوصول إلى القمر عام 1961. فقام الرئيس الأمريكي جون كينيدي شخصيا بالإعلان عن برنامج «أبولو» والذي سمي على اسم أحد الكائنات السريعة الإغريقية الأسطورية. وكان هدفه بسيطا في ذكره ومعقدا جدا في مضمونه: أن يتم إرسال إنسان إلى القمر وإعادته إلى الأرض سالما قبل انتهاء عقد الستينات. اشترك في هذا البرنامج حوالى 400 ألف فني من مختلف أنحاء الولايات المتحدة وبتكلفة تقدر بحوالى 25 مليار دولار، بدولارات مطلع السبعينات.

بلغ عدد رحلات برنامج أبولو 18 رحلة، وصلت عشر منها إلى القمر (أبولو 8 و9 و10 و11 و12و13 و14 و15 و16 و17)، وهبطت ست منها على سطحه (أبولو 11 و12 و14 و15 و16 و17). وأما عدد رواد الفضاء الذين وصلوا للقمر فكان 24 رجلا، منهم درزن لم يهبطوا على سطحه وإنما داروا حوله كجزء من مهامهم. وعدد الذين هبطوا على سطح القمر كان 12 رجلا على ست رحلات مختلفة من عام 1969 إلى 1971. وتركوا ست مركبات على سطح القمر ومجموعة من «الكراكيب» من عربات ومعدات. وهذه طبعا بصمة إنسانية فأينما يذهب البشر.. لابد من ترك الكراكيب.. وعلى هذه السيرة فمنظومة مركبات أبولو كانت تتكون من حوالى خمسة ملايين قطعة مختلفة معظمها تستخدم لمرة واحدة.. وبس! وفي كل رحلة كان صاروخ الانطلاق يتكون من ثلاث مراحل.. وكانت منظومة المركبات التي تنطلق نحو القمر مكونة من خمسة أجزاء مختلفة: مركبة القيادة الأساسية، ومركبة الخدمة، ومركبة الهبوط على سطح القمر، ومركبة الانطلاق من سطح القمر، والمركبة الأم المدارية التي كانت تدور حول القمر في رحلة الذهاب والإياب.. هيصة علمية مخيفة في تعقيدات أنظمتها التشغيلية والتصميمية.


أمنيــــــة

الاحتفاء بالإنجازات العلمية يثري أهمية العلوم والعلماء. وكانت برامج الفضاء حول العالم منصة رائعة، وإن كانت مكلفة جدا، جمعت البشرية مهما اختلفت في آرائها وفلسفتها. وكانت أيضا رحلات سابقة لوقتها، فطواقم برنامج أبولو سافرت مسافات أبعد وبسرعات أسرع من أي إنسان في التاريخ. أتمنى أن نتذكر أن للاستكشافات الفضائية أهمية كبرى في تقدم الحضارات، وأن لدينا بفضل الله إنجازات سعودية موثقة وملموسة في الفضاء الخارجي. وللموضوع تكملة بمشيئة الرحمن.

وهو من وراء القصد.