-A +A
خالد صالح الفاضلي
وحدة أرض الوطن لا تعني بالضرورة وحدة الثقافة، أو ملامح التاريخ، أو أنماط حياة الإنسان وطاقاته الإنتاجية، لذلك فكل سياساتنا في إدارة الآثار، السياحة، الزراعة، والصناعة تحتاج إلى إعادة صياغة، وتطبيقات.

يأتي عدم قيام «الهيئة العامة للسياحة» بتوثيق تلفزيوني لمشاريع ترميم آثار قامت بها، بسؤال كبير عن فيما إذا كانت تخجل الهيئة من مهمتها، فتوثيق ترميم التاريخ المادي حق معرفي لجميع المواطنين، بل للعالم أجمع، ويعزز الوطنية داخل الفرد والمجتمع.


ويأتي خلو مناطق سعودية زراعية من وجود كليات أو معاهد زراعية، بسؤال ثان، عن أسباب حجب التعليم العالي نصيب الأجيال من توارث أساليب الزراعة وتطويرها، وذات المصير واجهته حرفة صيد البحر.

تقدم (دار عنيزة للتراث) أنموذجاً ناجحا لناحية أن حياة الموروث تستوجب تأطيره في جزر متجاورة، وأن لكل جزيرة تاريخا، وأسلوب حياة، بينما أخفقت مشاريع عديدة أثناء محاولة تعميمها على كافة السعودية.

كان قرارا (هيئة تطوير العلا، وهيئة تطوير الدرعية) في مسار تصحيح العناية بالموروث المادي، والمعرفي، فهكذا تستعيد الأماكن ذاكرتها، وينطلق لسان تاريخها، فالأماكن مثل الإنسان، يفضفض فقط عن ذاته، يتحدث عن نفسه.

كان نشوء كل موقع أثري «مكاناً وتاريخاً» قصة مستقلة، وبالتالي فإعادة الحياة إليه تستوجب فصله عن محيطه، تأطيره، ووضعه في أمانة عقول مؤمنة به لوحده، متحيزة له، تعشقه حد الهوس.

تأتي النصيحة المجانية للمعنيين بتقديم «قبلة الحياة» للتراث المادي والمعرفي على أرض بلادنا، بأن يسرفوا في تأطير كل موقع منفرداً، رسم دوائر حول كل موقع، ثم ترميمه «بيد الحكومة أو القطاع الخاص»، ونترك للبحث العلمي والتاريخي مسؤولية ربط الأماكن تاريخياً، اقتصادياً، وأسلوب حياة الإنسان وفق أطياف الزمن العابر به.

مارس أحدهم، أو آحادهم، محاولات فاشلة لفرض ثقافة توحيد أرض الوطن على حساب تاريخ المكان، اقتصادياته، أنماط حياته الاجتماعية، ثم كانت النتيجة موت الزراعة، صيد السمك، والموروث الصوتي، حتى وصل الحال بنا عدم قدرتنا على كتابة جواب على أقصر سؤال «من نحن ؟».

سأقول إن «الثوب والشماغ» جاءا على حساب أطياف متنوعة من الملابس الرجالية كانت موجودة شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، كذلك فعلت العباءة، تم قتل صناعات أزياء متنوعة، لم يكن استمرارها عاملاً ضد وحدة أرض وطن.

نحتاج حالياً للإيمان بأن وحدة أرض الوطن لا تمزقها إعادة أحياء أنماط حياة كانت موجودة «الزراعة، صيد السمك، أسواق الأيام»، لم تصب هذه الصناعات الثلاث بضمور عبر التاريخ كما هو حالها الآن.

يصعب أن يخدش وحدة أرض وطننا، أو معتقدنا، فك الحصار عن تنقيب الأثار، والبحث العلمي الآثاري حتى لو قال لنا بصوت عال بأننا أبناء أجداد عبدوا الحجر، الكواكب، واعتنقوا ذات تاريخ اليهودية، والمسيحية، كان ذاك خياراتهم، قناعاتهم.

أنادي بتكرار قرارات مماثلة لهيئة «تطوير العلا» لأنها الحل المتكامل للتجسير بين أحقاب التاريخ على جغرافيا محددة، هكذا يجد المواطن سبباً حقيقياً لتطوير مفاهيم الوطنية داخله، هكذا يمكن تطبيق نظريات التحضر، هكذا نعزز وحدة الوطن بأوتاد التاريخ المديد.