-A +A
أحمد بن خالد الأحمد السديري
- إن أصحاب القضايا - وهم كُثُر- الذين يتذمرون ويشتكون من ضرورة الرفع للمقام السامي كي يحال منه الطعن الذي يتقدم به متظلم إلى المحكمة العليا، فالذي يصير هو أن 90% من القضايا التي تُرفع إلى المقام السامي تحال إلى المجلس الأعلى للقضاء دون توجيه فتحفظ، وعندما نتساءل لدى المجلس الأعلى للقضاء يجيبون بأن عدم وجود توجيه يعني لزوم حفظ القضية، لا ننكر بأن هناك بعض القضايا تذهب إلى المحكمة العليا ولكن هذا يعتمد على من يستطيع الاتصال شخصياً بمسؤولين في المقام الكريم، إلا أن الغلبة الغالبة من المحامين أو المتظلمين الذين يبتغون الرفع للمحكمة العليا لا يستطيعون الاتصال شخصياً بمن لهم الأمر، فهم يتقدمون بالطلب للمكتب المختص ويأخذون عليه رقماً، وعند متابعتهم له يجدون أن طلبهم قد ذهب إلى المجلس الأعلى للقضاء ثم يحفظ هناك، ولا مرية أن القول بضرورة الرفع للمقام السامي قد يفضي في الغالب إلى حرمان - لمن وقع عليه حيف -، من التظلم أمام المحكمة العليا؛ إذ إن كثيراً من الأحكام تصدر من المحاكم العامة فيها هتك فاضح لأحكام الشريعة والنظام ومع هذا نجدها تؤيد من الاستئناف دون مراجعة وهو ما يثير الذهول، ناهيك بأن منع أي متظلم من الوصول للمحكمة العليا ينطوي على إهدار لنصوص نظام المرافعات التي تبيح هذا الطعن في الأحكام أمامها ونعني هنا المواد التي تبدأ من رقم (193) إلى آخر النصوص حول هذا الشأن.

- قيل إن قبول طعن أي متظلم أمام المحكمة العليا يفضي إلى الإكثار من القضايا التي تعرض أمامها إلى حد جدّ كبير، بينما لا يفيض عدد قضاتها على عشرة، وهو أمر لا طاقة لقضاتها به كما أنه يطيل أمد نظرها، ونعتقد أن هناك ما يعد حلاً لهذا، فقد أباح نظام المرافعات للمجلس الأعلى للقضاء تحديد القضايا التي يستطاع الطعن فيها أمام المحكمة العليا، أي أن مجلس القضاء الموقر يستطيع إصدار تعليمات أو لائحة تمنع بعض أصحاب القضايا التي ليست بذات بال كتيك الخاصة بمبالغ صغيرة - والتي يستطاع تحديد أقصاها - أو بعراك بين شخصين أو الخاصة بالإيجارات وما إلى ذلك من صغار القضايا.


- ومهما يكن من أمر فإنه حتى لو صدرت تعليمات كهذه.. فإن زيادة أعضاء المحكمة العليا أمر له ضرورة قُصوى، فالقضايا رغم الحد منها يتطاول نظرها، إذا أخذنا في الاعتبار عددهم الحالي، ولذا فإنه يستطاع القول إنه إذا لم يكن لدينا قضاة يستطاع تعيينهم في المحكمة العليا فلماذا لا نأتي بقضاة متقاعدين من مصر، إذ لو أتينا بثلاثين أو أربعين قاضيا يهيئون ويدرسون القضايا للقضاة السعوديين فإن هذا سيكون حلاًّ فعّالاً لهذا الجانب، فقضاة مصر لهم عالي كعب في القضاء، خاصة أولئك الذين عملوا لسنين طوال في القضاء، فهم أهل للتصدي لما يعرض على المحكمة العليا من قضايا، فمنذ ثلاثين عاما أو أكثر أتى ديوان المظالم بقضاة من مجلس الدولة بمصر، وقد كان وجودهم ودراستهم القضايا وتدريبهم لبعض القضاة أثر جدّ محمود على مستوى القضاء وأيضاً على مستوى القضاة في ديوان المظالم.

- إن الإتيان بقضاة من مصر ليس فيه عيب أو غرابة، فهم عرب ومسلمون، ومنهم من درس في جامعة الأزهر أي جمع بين الشريعة والقانون، فهم يتوسعون وطلابها يدرسون بعمق أحكام الشريعة والقانون، كما أن مناهج كليات الحقوق في مصر تشمل دراسة الشريعة، ناهيك بأننا لو فعلنا هذا فلن يكون هذا شذوذا، فها نحن نرى الكويت بعد أن تطورت الأمور عندها وأصدرت أنظمة وقوانين لتنظيم وتحديد الأحكام منها أتت بقضاة من مصر منذ زمن طويل ودربوا قضاة الكويت، كذلك فعلت الإمارات وعمان والبحرين وقد أفضى كل هذا إلى الرقي بأداء القضاء لديهم.

- إن حرمان الغلبة الغالبة من المتظلمين من رفع قضاياهم إلى المحكمة العليا فيه ثلم للعدالة وإهدار للنظام بل وانتهاك للشرع، فالنظام هو من الشرع فهذا ما أكده الإمام ابن القيم حين قال إن ما يصدره ولي الأمر لتحقيق مصلحة هو من الشرع.. أختم مقالي هذا من عجب ران على الجوانح إثر سلبية وزارة العدل ونظام المجلس الأعلى للقضاء حيال هذا الأمر، إذ كان لزاماً عليهم الذبّ عن حق أي متظلم يريد أن يرفع طعناً يتظلم به أمام المحكمة العليا.

* محام