-A +A
عبدالله صادق دحلان
لم يكن (الثلاثاء) الماضي الموافق 25 يوليو 2017م، يوماً عادياً من تاريخ الحرمين الشريفين، حيث كانت البداية لانطلاقة قطار الحرمين الشريفين، الذي يعد أحد أكبر إنجازات الحكومة السعودية لخدمة المسلمين -حجاجا ومعتمرين ومواطنين ومقيمين- للتنقل بين الحرمين الشريفين والمقدسات والمشاعر الإسلامية. فبعد أن كانت الرحلة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة رحلة حياة وموت ورحلة عناء ومشقة يعاني منها المسلم من نهب وسرقة واعتداء على الأرواح والأموال حتى أرسى الحكم السعودي منذ نشأته الأمن والأمان للحاج والمعتمر، وأصبح التنقل عن طريق النقل البري العام والخاص، كانت ومازالت صعوبة ومشقة للحاج والزائر لمسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام، والبديل أغلى لو توفر وهو الطيران. وكنت وغيري من المسلمين نحلم بإنشاء خط حديدي يربط الحرمين الشريفين، مروراً بمدينة جدة بوابة الحرمين وظل العالم الإسلامي يترقب قرار الحكومة السعودية بإنشاء هذا المشروع العملاق الذي له بعد إسلامي قبل أن يكون له أي بعد اقتصادي.

ولقد تشرفت مع غيري من الكتّاب بالكتابة والمطالبة بتبني الحكومة السعودية إنشاء هذا المشروع، ولقد كان بيني وبين أخي الوزير صاحب الخلق الرفيع والعلم والمعرفة والخبرة الطويلة رجل الاقتصاد الدكتور جبارة الصريصري وزير النقل آنذاك. كان بيني وبينه سجال واختلاف في الرأي عبر الصحافة، رغم اتفاقنا على الهدف وأهميته وهو إنشاء الخط الحديدي بين مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة، حيث تبنى معاليه فكرة تمكين القطاع الخاص القيام بهذا المشروع وتبنيت فكراً آخر، رغم أنني أحد رجال الأعمال وأحد المؤمنين بالخصخصة ولكن رأيي في هذا الموضوع كان هو أن تتولى الدولة مسؤوليتها في بناء وتشغيل قطار الحرمين، بعيداً عن هدف البعد الاقتصادي في مرحلة التأسيس والتشغيل للسنوات العشر الأولى على الأقل، لأنه مشروع له بعد إسلامي لخدمة المسلمين وحجاج ومعتمري بيت الله وزوار مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وانطلقت في رأيي من الدور الأساسي لقيادة المملكة العربية السعودية في رعاية الحرمين الشريفين وخدمة المسلمين في جميع أنحاء العالم لتمكينهم من تحقيق الركن الخامس من أركان الإسلام.


وفي الحقيقة لقد بذلت قيادات المملكة ملوكا وأمراء جهوداً عظيمة لخدمة الحرمين الشريفين منذ عهد المؤسس -طيب الله ثراه- حتى عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين أطال الله في عمره، وأنفقوا البلايين في توسعة الحرمين ولم يبخلوا في تسخير جميع الإمكانات المالية والبشرية لخدمة المسلمين.

ومن هذا المنطلق، وافق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آنذاك -رحمه الله- على الرأي بتبني الدولة تكلفة إنشاء وتشغيل قطار الحرمين على نفقة الدولة، ضمن مشاريع الحكم السعودي لتطوير الحرمين الشريفين وخدمة المسلمين حجاجا ومعتمرين وزائرين. والحقيقة وإن كان رأي بعض الكتاب ومنهم رأيي يختلف عن رأي معالي الوزير صاحب الخلق الرفيع الدكتور جبارة الصريصري -آنذاك-، إلا أنه كان أول من اتصل بي هاتفياً ومباشرة بعد جلسة مجلس الوزراء التاريخية التي تقرر فيها تحمل الدولة تكلفة إنشاء وتشغيل المشروع ليخبرني بموافقة مجلس الوزراء واعتماد خادم الحرمين الملك عبدالله بالرأي الذي كنت وزملائي نطالب به، ووعدني بأن أكون وزملائي الكتاب معه ضمن أول رحلة يقوم بها القطار بين مكة وجدة والمدينة المنورة.

وتحقق الحلم يوم (الثلاثاء) الماضي وكانت أول رحلة للقطار بين جدة إلى مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، ثم المدينة المنورة، ثم عودة إلى جدة بمشاركة الأميرين الشابين الأميرعبدالله بن بندر بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة مكة المكرمة، والأمير سعود بن خالد الفيصل نائب أمير منطقة المدينة المنورة وبمشاركة معالي وزير النقل ووزير النقل الإسباني وغاب وزير النقل راعي بداية المشروع معالي الدكتور جبارة الصريصري. متمنياً أن يكون الافتتاح الرسمي للمشروع بحضور ملوك ورؤساء الدول الإسلامية للاطلاع على هذا المشروع العظيم لخدمة المسلمين بسعة تسعة آلاف راكب في الساعة الواحدة. المشروع الذي يربط أهم مدينتين مقدستين على بعد 450 كيلو مترا ويشمل 35 قطارا مجهزا بأحدث وسائل التقنية أنشئ ليخدم نحو 60 مليون راكب سنوياً، معظمهم من الحجاج والمعتمرين والمواطنين والمقيمين.

وأخيراً، إذا كان لي من رجاء، فهو أنني آمل قبل أن تصدر التسعيرة لدرجات الركاب في القطار بين مكة المكرمة والمدينة المنورة مروراً بجدة وعودة، أن تكون بأسعار تشجيعية، لما لذلك من بعد إسلامي يتماشى مع فكرة قرار إنشاء قطار الحرمين. وأن لا يؤدي التوجه لخصخصة السكك الحديدية في المملكة إلى رفع أسعار التذاكر في قطار الحرمين، ولاسيما أن قرار إنشاء هذا الخط الحديدي هو ضمن دور المملكة كراع للمقدسات الإسلامية مكة المكرمة ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.

*كاتب اقتصادي سعودي