-A +A
عبدالعزيز معتوق حسنين
قبل أيام وصلتني حكمة مكتوبة بمخطوط من صديق حميم مثقف وأديب طلب مني حل المخطوط، حاولت ولم أستطع قراءة المخطوط فجاءني الجواب من صديقي وهو عنوان هذا المقال فقد وعدت صديقي بأن هذه الحكمة سأكتب عنها ضمن هذه الزاوية. عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارا، قال: لا تغضب؛ رواه البخاري. وكان والدي يرحمه الله يوصيني ويقول: يا ابني إن شعرت بالغضب فأذهب وتوضأ لأن الغضب من عمل الشيطان الذي خلق من نار والماء تطفئ النار. وقد قيل إن حديث الغضب هذا هو ربع الإسلام؛ لأن الأعمال خير وشر، والشر ينشأ عن شهوة أو غضب، والخير يتضمن نفي الغضب، فتضمن نفي الشر. ليست الحياة دائما متاعا ولهوا، سهلة وحلوة، شغفا وهوى، فبها المرير وبها القاسي والعسير وبها الهين واليسير، ولذلك الكل يدرك أن العيش فيها ليس فقط شهيقا وزفيرا، وإنما تعب وجهد وعمل ومعاملة، لمواصلة المسير، وبالتالي الكثير منا أثناء معاملته مع الآخرين يصل به الأمر إلى التوتر وفعل المستحيل، فلا يكتفي بالقليل، ويتعدى حدوده، ويتجاوز كل الردود والمعاصي. وهذا راجع إلى الغضب، كيف لا وهو ينسي الحرمات، ويدفن الحسنات، ويخلق الجنايات، فأين ذلك الشخص الواعي البشوش، إذا رأيته قلت يا سلام على الإنسان الراقي بالأخلاق، السامي بها كالعملاق، وفي لحظة غضب يضحي كبركان ثائر، لا تخمد حممه، ولا تنطفئ نيرانه، فالغضب حالة نفسية يصاب بها المعظم منا، إذ لا يستطيع التصرف في الموقف، إلا بتوتر، وسوء النظر، للقضية والحضر، لا بغض البصر ودفع الضرر، بل بسوء التقدير في الأمر، أنتخلى عن صفات العفة والأدب، ونرتكب الذنب، في لحظة غضب. فأنت يا غافلا عن الصواب، أتنسى المولى التواب، وللخطأ تتمادى في الارتكاب. ألم تدرك بعد أن عدم تحكمك في تصرفاتك من أقوال وأفعال، تضاف إلى ميزان السيئات فتذهب الحسنات. وليس هذا فقط بل ستجرح وتهين مشاعر الشخص الذي هو قد يكون من أهلك أو أرحامك أو أصدقائك، وتحز في نفسه، وتصبح بالنسبة له وحشا متعطشا للقضاء على فريسته، فلم الغضب والتسرع، والانفعال والتذمر. فصبرا على المكروه، خيرا من الوقوع فيه، تحكم في نفسك حتى لا تكون عرضة لوسوسة الشيطان، وخاضعا له بسهولة، فهذه سنة الحياة ثلة في الانصياع، والكثير في الضياع، فلا تطع غضبك كي لا تضيع أدبك، وأتبع المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي قيل عنه إنه ربع الإسلام. فعليك أن تستجيب لوصية الحبيب، ولا تكن للغضب مجيبا، ولله كن دائما منيبا، فلا تنس وأنت في لحظة غضب، قل يا رب لتعود للرشد. ومن أطاع رغباته ضاعت أخلاقه ومن أطاع شهواته كثرت أخطاؤه وخسر أهله وأرحامه وأصدقاءه وزملاءه ومن أطاع شيطانه وأهواءه خسر آخرته. عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال: لا تعتمد على خلق رجل حتى تجربه عند الغضب. فمن أطاع غضبه أضاع أدبه.

للتواصل ((فاكس 0126721108))