-A +A
طارق فدعق
بعض قصص النهايات أغرب من الخيال... والمقصود هنا هو نهاية المطاف للذين يتمتعون بدرجات غير متناهية من الإخلاص. وفي بعض الأحيان تكون آخر لحظات أعمارهم معبرة عن ذلك... واخترت لكم التالي: يحكى أن الفيلسوف اليوناني «سقراط» مات بالسم الهاري بعدما حكم عليه بالإعدام منذ حوالى ألفين وأربعمائة سنة في اليونان... وبقي الفيلسوف منغمسا في عالمه الفلسفي حتى بعد أن شرب السم الى أن لفظ آخر أنفاسه... تخيل واحدا يتفلسف على العالم وهو يموت... قمة العشق للفلسفة... وأما عالم الكيمياء الفرنسي «أنطوان لا فوازييه» فقد تمت محاكمته من قبل إحدى محاكم «الأنس»... بضم الهمزة... في باريس خلال الثورة الفرنسية، يعني الربيع الفرنسي لا مؤاخذة... ووجدوه مذنبا لدعم الحكومة ضد النظام الجديد كما جاء في الادعاء في جلسة هرجلة قانونية دون أدلة قوية. واستغرقت تلك الجلسة حوالى نصف ساعة لتجد هذا العالم الفذ مذنبا ومعه ثلاثون متهما... يعني بمعدل اتهام إنسان واحد في الدقيقة الواحدة... أسرع من طلب دجاجة «الطازج». وحكم عليهم بالإعدام باستخدام المقصلة الفرنسية الشهيرة «الجيلوتين». وكانت تلك الأداة تقص رؤوس البشر بالمئات يوميا. ونظرا لأن هذا العالم الفرنسي كان عاشقا للعلوم فقرر أن يدون آخر تجربة علمية على نفسه عند الموت. والموضوع باختصار أنه حتى بعد قص الرأس تجرى الحياة بمشيئة الله لبضعة ثوانٍ في الجسد والرأس... ورأى العالم أن يقيس تلك المدة فطلب من أحد أعوانه في الساحة أن يقيس الفترة الزمنية التي سيرمش فيها العالم الفرنسي بعد قص رأسه... وذهب أنطوان إلى المقصلة يرمش بعينيه على أمل أن تقاس تلك الفترة الزمنية. يقال والله أعلم أن الفترة كانت ست ثوانٍ.

وأما القصة الثالثة فكانت في 27 يناير عام 1967 في هيوستن بالولايات المتحدة في مطلع برنامج أبوللو الفضائي. وللعلم فكان هذا هو البرنامج الهادف لإرسال رجال إلى سطح القمر وإعادتهم للأرض سالمين. وكان البرنامج الطموح يتطلب مجموعات عديدة من الاختبارات ومنها اختبار الاتصالات بين المركبة وهي على الأرض، وبين مركز القيادة الرئيس. ودخل الرواد الثلاثة «جريسوم، ووايت، وتشافي» إلى المركبة الحقيقية وأغلقوا بابها وسحبت جميع التوصيلات بالعالم الخارجي لوضع الرواد في بيئة وكأنهم انطلقوا فعلا. وتم إغراق بيئة المركبة بغاز الأوكسجين لأمثلة وضعها في الفضاء الخارجي. وكانت «بلادة» علمية من الطراز الأول. والسبب هو أن تشبع جو المركبة بغاز الأوكسجين على مستوى سطح البحر يختلف عن الحال في الفضاء الخارجي ويرفع من مخاطر الاشتعال بشكل مخيف. وبسبب شرارة صغيرة جدا بداخل المركبة اشتعلت النيران بطريقة مرعبة فأكلت النار داخل المركبة في ثوانٍ، وارتفع الضغط بداخلها. وكان أحد الأخطاء الهندسية في تصميم المركبة أن بابها الوحيد كان يفتح إلى الداخل. وبوجود الحريق وارتفاع الضغط كان من المستحيل أن يسحب الباب إلى الداخل. والغريب هنا هو أن رواد الفضاء الثلاثة وُجدوا في أماكنهم الصحيحة المعينة في حالات الطوارئ؛ قائد المركبة مسؤولا عن فتح الباب، وكبير الطيارين تحته، ومساعده مسؤولا عن الاتصالات. كانوا ينفذون مسؤولياتهم بدقة إلى آخر لحظة في حياتهم حسب «القائمة التفقدية» Checklist التي يستعملها الطيارون ورواد الفضاء حول العالم في كل رحلة. كانت مأساة «أبولو 1» رهيبة وحزينة ومشبعة بالأخطاء.


أمنيـة

رأينا خلال هذه الأيام الحزينة المواجهات الدامية في القدس الشريف، وكيف يتحدى أهالي القدس الشجعان بطش جنود الصهاينة دون أي تردد... إلى آخر رمق. وهذه رسالة نبيلة تقف وراءها الحقوق والمبادئ والقيم السامية. أتمنى أن ينصرهم الله عز وجل على القوم الظالمين، وأن يثبت أقدامنا جميعا على الحق.

وهو من وراء القصد.