-A +A
خالد صالح الفاضلي
سياساتنا المستترة: هي محكمة خاصة قائمة داخل كل فرد وتعمل على مدار الساعة، ولديها سلطاتها الثلاثية (التشريعية، القضائية، والتنفيذية)، وهي المسؤولة عن تعاسة الفرد، والأمم، تتمدد مسؤولياتها وقدراتها حد الوصول إلى هدم وطن، هدم وطن بالمعنى الدقيق والصريح.

تتوالد الثورات، الانقلابات العسكرية، الحروب، والجرائم الجنائية، نتيجة إفصاح مجموعة عقول عن (سياسات مستترة) ونوايا، وتوقعات وتصورات متقاربة، فتصبح النتيجة كارثية، إذا تم الإفصاح في زمان ومكان واحد، فمسألة حيازة قائد أسهل من مهمة العثور على حجة وتبرير.


الخلاصة: السياسات المستترة هي مجموعة ممارسات (وليست قناعات وأفكارا فقط)، وهاهنا تكمن الخطورة؛ لأن اشتعال السياسات المستترة في مكان ما (إدارة حكومية، أو شركة خاصة، جامعة، كلية، مستشفى، بلديات... إلخ) يعني أن مجموعة من الموظفين اختطفوا الإدارة، وأيضاً اختطفوا علاقة المواطن بالإدارة وخدماتها، وبالتالي علاقة المواطن بوطنه.

يحدث أعلاه عندما لا تقوم الإدارة (المدير) بتكرار السؤال التالي يوميا (هل تم إبلاغ هذا الموظف ماذا يتوجب عليه؟ وكيف؟ وهل يعرف موقعه في منظومة خادمي الخدمات؟ وهل يحفظ عن ظهر قلب خطوات التراتبية والمسؤوليات المهنية؟).

يحدث أعلاه أيضاً، عندما لا يوجد في الإدارة «كُتيبات» مهنية، إدارية، ولا توجد دورات تدريبية، ولا توجد مسطرة قياس أداء (يهربون من كتابة واجبات الموظف، خوفاً من كتابة حقوقه)، كذلك انعدام وجود مدير تنفيذي صارم، فتنشأ سياسات مستترة، حتى عند نادل القهوة.

يحدث أعلاه، عندما لا يجد الموظف خريطة طريق، أو تدريبا صادقا، أو كتيبات إرشادية، فيستعين بذاكرته (مراقباته، دراسته، موروثه القبيلي)، إلى حين تتحول فيه كل مصادر( التشريع، والقضاء، والتنفيذ) داخل محكمته الخاصة إلى مسارات بعيدة عن غايات حكومته (وزارته)، وغير خالية من عنصرية قبلية، أو مكانية، أو ارتشائية.

يسرق الموظف (ليس حباً في حيازة مال)، بل لأنه كتب في أعماقه (ضمن سياساته المستترة) مبررات وتشريعات كافية جداً لزراعة النوم في عيونه دون عذاب ضمير، لدرجة أن بعض كبار «حراميتنا» يؤمن بأنه إذا تصدق على الفقراء بجزء يسير من السرقة، تصبح بقية السرقة حلالا وطاهرا.

سياساتنا المستترة، ليست جهالتنا فقط، أو ضعف مناطق وبيئات العمل، بل هي رغباتنا العميقة، معادننا الحقيقية، شهواتنا الصادقة، (هي نحن)، هي الشر الدفين فينا، هي نحن عندما لا نريد المساهمة في بناء وطن.