-A +A
سعيد السريحي
لامني بعض الأصدقاء من المثقفين والإعلاميين المرافقين للملك سلمان في زيارته لتركيا حين علقت خلال ندوة أقيمت على هامش الزيارة بما ذهبوا إليه من أن تعليقي لا يليق بعضو مرافق في مثل هذا الوفد، ورأوا أن البروتوكول المتبع في مثل هذه الزيارات يفرض قدرا من المجاملة، ولم أجد ما أدافع به عن نفسي إلا التأكيد على أن تعليقي إنما كان في ندوة من المفترض لها أن تكون ندوة علمية بعيدا عن البروتوكول الذي يمكن له أن يسود جوانب أخرى في تلك الزيارة، وحين لم يكن دفاعي مقنعا لكثير منهم أكدت لهم أن لا خبرة لدي في مثل هذه المسائل فهي المرة الأولى التي أشارك فيها في مثل هذا الوفد المرافق.

استفزني في تلك الندوة ما تحدث به أحد المشاركين من الجانب التركي من طلب أن تستثمر المملكة علاقتها الجيدة مع مصر للتخفيف عما ادعاه من اضطهاد الحكومة المصرية لجماعة الإخوان المصريين هناك، استفزني ما اعتبرته من تجاهل لما يعرفه هو دون شك من أن المملكة قد صنفت هذه الجماعة باعتبارها جماعة إرهابية، كما استفزني تجاهله لسياسة المملكة التي تجعلها تربأ بنفسها عن التدخل في السياسات الداخلية لغيرها من الدول مهما كانت علاقاتها معها متميزة، غير أن ما استفزني أكثر هو التناقض بين الأسس العلمانية التي تأسست عليها تركيا الحديثة وما انتهت إليه حين أصبحت مأوى ونصيرا للجماعات الأيديولوجية التي تسعى لإسقاط الدولة المدنية في بلدانها وتعرض أمن المنطقة للخطر ثم لا تجد ضيرا في المطالبة بالتوسط لحماية تلك الجماعات.


لا أتذكر الآن تماما ما قلته، وقد نشرته جريدة الجزيرة في تغطيتها للزيارة، غير أني أتذكر أنني كنت أشير إلى صورة أتاتورك المعلقة على الجدار متسائلا عما إذا كانت تركيا اليوم لا تزال وفيّة للمبادئ التي أسسها عليها الرجل الذي لا تزال ترى أنه أبو تركيا الحديثة، ومؤكدا في تعليقي أن على تركيا أن تتوقف عن التعامل بوجهين، وجه علماني يدعي الوفاء للثورة التي قادها أتاتورك، ووجه مؤدلج مناقض لمبادئ تلك الثورة يقف نصيرا للجماعات المتطرفة ويجعل من تركيا مأوى لقياداتها، قلت يومها لذلك الباحث «أخشى يا سيدي أن تركيا تخون مبادئها التي تأسست عليها نهضتها الحديثة»، وكانت تلك العبارة هي ما عده بعض الأصدقاء من المثقفين والإعلاميين المرافقين للوفد خروجا عن مقتضيات البروتوكول.