د. هاشم عبده هاشم
د. هاشم عبده هاشم




الملك سلمان والرئيس أردوغان يحضران توقيع محضر مجلس التنسيق السعودي التركي في 2016.
الملك سلمان والرئيس أردوغان يحضران توقيع محضر مجلس التنسيق السعودي التركي في 2016.
-A +A
تحليل: د. هاشم عبده هاشم
•• عندما يبدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم وغداً زياراته لكل من المملكة والكويت وقطر.. فإن الكثير من الأسئلة تطرح نفسها بقوة..

•• وفي مقدمة هذه الأسئلة الموضوعية:


• هل يملك أردوغان تصورا عمليا وجادا لمعالجة الأزمة القائمة بين قطر والدول الأربع: المملكة والإمارات العربية وجمهورية مصر العربية والبحرين.. وما هي طبيعة هذا التصور؟

• وكيف يمكن التوفيق بين وجود قاعدة عسكرية تركية ضخمة على بعد مسافة قصيرة منا وبين القيام بأي مساعٍ من شأنها أن تقود إلى حلول عملية لوضع جد معقد، زاد صعوبة بتدفق آلاف الجنود الأتراك ومختلف أنواع الأسلحة التركية على قطر منذ بداية الأزمة حتى اليوم؟

• ثم ماذا ينتظر الرئيس أردوغان منا.. شعباً.. ووطناً.. ودولة ونحن نتابع هذا المشهد.. ونستمع إلى بعض التصريحات غير الموضوعية حول هذه الأزمة.. وتحديدا ضد الدول الأربع التي طالبت وتطالب بتأمين سلامتها وتنظيف المنطقة من جيوب الإرهاب.. وتجفيف مصادر تمويله؟

مواصفات الشريك الإقليمي الذي نريده

•• وما أتوقعه كباحث معني بمتابعة تطور العلاقات السعودية التركية وبالذات بعد أول رحلة قام بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز (يرحمه الله) لتركيا في (14 /‏‏7/‏‏ 1427هـ) الموافق (8 /‏‏8/‏‏ 2006)، وكنت أحد من رافقه في تلك الرحلة المهمة.. وقابل فيها أردوغان عندما كان رئيسا للوزراء آنذاك..

•• ما أتوقعه لهذه الزيارة اليوم هو أن تكون لقاءاتها شفافة وشاملة.. وعميقة.. وأبعد من مجرد الحديث عن الأزمة مع قطر، رغم أسفنا الشديد لما حدث ويحدث..

•• ذلك أن المملكة تنظر إلى تركيا كشريك إقليمي مهم لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة.. وبالذات بعد تصفية كل مصادر الإرهاب.. ونشر الفوضى.. بالعمل المخلص والبناء لإعادة الاستقرار فيها.. ومن أجل ذلك تم الاتفاق على إيجاد مجلس للتنسيق بين البلدين في (7 /‏‏7/‏‏ 1437هـ) الموافق (14 /‏‏4/‏‏ 2016)، وبدأ العمل بالفعل في هذا الاتجاه بخطوات مدروسة.. وهادئة.. تحقيقا للعديد من الأهداف الإستراتيجية الحيوية والمهمة بالنسبة للبلدين.

•• وشريك بهذا الحجم لا ينقصه الإدراك لخطورة الوضع الذي تمر به المنطقة.. فضلاً عن أن ينتقل هذا الوضع إلى منطقة الخليج.. ويصبح تحديدا على مقربة منا.. وضد أمن وسلامة بلداننا.. وشعوبنا..

•• وما كنا نتوقعه -على الأقل- من هذا الشريك المهم هو ألا يُستدرج -في هذا الوقت بالذات- بالصورة التي رأيناها ونراها حتى لا يصبح جزءًا من المشكلة.. بدلا من أن يكون طرفا مهما في الحل.. وبالذات في ضوء الاتفاق بين البلدين على أهمية وضرورة مواجهة الإرهاب بكل صوره وألوانه.

•• وإذا كانت إيران قد سارعت بالمجيء إلى قطر.. وعجلت بالتجاوب مع النظام فيها فإنها إنما ترجمت وجودها الفعلي فظهرت على السطح فقط.. لأن ما حدث ويحدث هو جزء من مخطط مرسوم ومعروف لنا.. وللإخوة في تركيا.. بل وفي هذا العالم بأسره.. لأن طهران لا تخفي نواياها في التفشي في مختلف أرجاء المنطقة.. وبصورة أكثر أهمية بالنسبة لها في منطقة الخليج.. كجزء من مشروعها الكبير.. لكي تصبح اللاعب الأوحد فيها.

•• لكن أن تُستدرج تركيا إلى نفس المستنقع الجديد فإن ذلك لم يكن عند الباحثين والدارسين في الحسبان وبالذات لأن الإيرانيين هم المستفيدون الأول من إشعال الوضع -لا سمح الله - في منطقة الخليج..

•• ولا أستبعد أن يقول لنا الأتراك إننا جئنا لكيلا نترك إيران تستغل الأزمة وحدها وتبسط نفوذها.. وتنفذ مشروعها في الخليج انطلاقاً من قطر.. بعد أن نجحت -حتى الآن- في تحقيق الكثير من الأهداف الحيوية لها في لبنان وسورية وتسعى إلى ذلك في اليمن.. والعراق كذلك..

•• قد يقولون ذلك.. لكن الحسابات الموضوعية تقول إن تصارع القوى في نقطة من النقاط قد يؤدي إلى نتيجة من نتيجتين: إما الاتفاق وتَوزّع الأدوار والمصالح.. وإما الصدام وتفجير الوضع وإشعال الحرائق على أوسع مدى..

•• وفي كلتا الحالتين.. فإن ذلك ليس في مصلحة الخليج.. أوطاناً وشعوباً.. وحكومات.. وبالتالي فإن تحويل قطر إلى محطة انتظار لما سوف يأتي بعد ذلك لا يمكن أن يكون مقبولاً منا.. ومن جميع أشقائنا الخليجيين بمن فيهم الكويت وسلطنة عمان.. بل ومن إخوتنا العرب الذين تلظوا بنيران الحروب والأزمات على مدى السنوات الخمس الماضية.. وكفانا كوارث.. ومصائب.. وأزمات..

•• والأخطر من كل هذا أن تقبل دول الخليج بأن تكون محطة ثانية بعد المحطة العربية الأولى لنشر الفوضى وتفشي جرثومة الإرهاب.. حتى يشتعل العالم بأسره بعد ذلك..

الحرب في الخليج تدمير لمصالح العالم

•• وإذا كانت لبنان.. وسورية.. والعراق.. وليبيا.. واليمن قد تحولت إلى ركام مأساوي أليم بفعل التدمير الذي تعرضت وتتعرض له حتى اليوم. وإن ظهر الآن بصيص الأمل في عودة الاستقرار إليها.. فإن الوضع في الخليج في حالة تفجيره -لا سمح الله- سوف يكون مختلفاً.. وكارثياً بصورة أكبر.. ليس فقط بالنسبة لشعوبه.. بل بالنسبة لكل شعوب الأرض لما تزخر به منطقتنا من ثروات تتوقف عليها حيوات العالم بأسره..

•• ولذلك.. فإن الدخول في الخليج في أي صورة.. لا يخدم أمن المنطقة.. وسلام العالم.. وبالتالي.. فإن أي وجود عسكري من أي نوع كان في قطر.. أو في غيرها.. يتعارض مع مصالح دول وشعوب المنطقة بل والعالم.. فما بالنا أن تحضر أكثر من قوة.. وتتجمع في مساحة صغيرة من الأرض.. تجاوباً مع رؤية ضيقة.. وحسابات مغلوطة.. ومبررات غير منطقية.. لتصعيد أزمة بدلاً من العمل على إطفائها.. وتجنُّب مضاعفاتها؟

•• وإذا كانت قطر قد أقدمت على ما أقدمت عليه باستدعاء الحرس الثوري الإيراني.. وميليشيا حزب الله بحجة مواجهة خطر محتمل عليها من إخوتها وجيرانها.. وذهبت إلى ما هو أبعد عندما استدعت الإخوة الأتراك في عملية خلط مقصودة للأوراق حتى لا تنكشف لعبة تأزيم الوضع في الخليج ثم بعد ذلك إشعاله، فإن الحسابات الموضوعية لدولة كبيرة ومهمة مثل تركيا كان لا بد أن تكون مستوعبة للأهداف المرسومة من وراء هذا الاستدعاء تأزيماً للموقف..

•• والإخوة في تركيا يدركون تماماً.. أن قطر لم تكن في أي يوم من الأيام ولن تكون عرضة لأي خطر من إخوانها وجيرانها.. وبالتالي فإن إقدامها على «توريط» الدول الأخرى هو جزء من الخطة التي ما كنا نتمنى كباحثين ودارسين أن تكون تركيا جزءًا منها حتى يصعب على الدول الداعية إلى محاربة الإرهاب أن تواجه الأخطار المترتبة على تبنيها لعناصر وقوى ومقومات الإرهاب وتمويله قطرياً..

استدعاء تركيا إلى قطر.. مشورة إيرانية

•• وليس من المستبعد أن تكون إيران هي صاحبة فكرة استدعاء تركيا إلى قطر في هذا الوقت بالذات مستغلة توقيع الدوحة لاتفاقية الدفاع المشترك مع الأتراك قبل أربع سنوات حتى يحمي الإيرانيون أنفسهم من أي تدخل دولي لضرب وجودهم وتمددهم في الخليج استكمالاً للمخطط الذي بدأوه في لبنان.. وانتهوا به في بقية الدول والمناطق المأزومة الأخرى.

•• ولا ندري كيف فات هذا على الإخوة في تركيا..؟

•• ولو سألوا أنفسهم سؤالاً واحداً هو: لماذا جمَّد القطريون هذا الاتفاق لمدة (4) سنوات.. ثم لماذا أحيوه الآن..؟ فإنهم سوف يجدون إجابة واحدة هي: أن الإيرانيين كانوا وراء ذلك التجميد لكنهم عندما احتاجوا الآن إلى تفعيله بعثوه من جديد وأشاروا على الدوحة بتنفيذه تعقيداً للوضع وتجنباً لأي موقف مضاد للوجود الإيراني الخطير في قلب الخليج.. من جهة.. ولأنهم يريدون التشويش -من جهة ثانية- على علاقات دول الخليج الأخرى وفي مقدمتها المملكة مع تركيا..

•• هذه الحقائق.. ربما غابت عن الإدارة التركية.. وبالتالي جاءت استجابتهم سريعة للمجيء إلى الدوحة والبدء في إقامة قاعدتهم فيها.. وفق حساباتهم الخاصة بهم.. وهي الحسابات التي سيسعى الرئيس أردوغان إلى التحدث عنها مع القيادة في كل من المملكة والكويت قبل الذهاب إلى قطر في نهاية الجولة..

•• وبالتأكيد.. فإن لقاءات على هذا المستوى من الأهمية لن تكون فيها «مجاملات».. أو «عواطف».. أو «غموض» بأي حال من الأحوال.. لأن المملكة العربية السعودية وشقيقاتها الثلاث.. الإمارات.. ومصر.. والبحرين.. تُدرك مدى خطورة المخطط المرسوم لمنطقتنا.. وليس أمامها وقت لإضاعته في المماحكات.. أو الأخذ والعطاء.. للتغطية على جرائم الإرهاب..

•• ولا نظن أنه يغيب عن ذهن الرئيس أردوغان أن عنصر الوقت مهم.. وأن القبول بما يحدث في قطر.. أو غير قطر.. بدواعي البحث عن حلول ومخارج سياسية.. ليس في صالح الخليج وشعوبه.. كما أنه ليس في صالح المنطقة بأسرها وأن تركيا لن تكون بعيدة عن الأخطار المترتبة على القبول بأي تسويات سطحية من شأنها أن تُبقي على جذوة النار ملتهبة تحت الأرض تمهيداً لحدوث الانفجار المدمر والمهلك للجميع..

تركيا تحتاجنا.. كما نحن.. نحتاجها

•• وزيارة بهذه الأهمية.. يبدأها «أردوغان» بالمملكة اليوم لن تتوقف على مشكلة قطر.. فهي على أهميتها لن تكون بالنسبة لبلاده هي كل شيء..

•• فهو -وبكل تأكيد- سوف يبدي اهتماماً شديداً بأهمية التعجيل بعمل مجلس التنسيق بين البلدين.. وفك الارتباط بين عمل المجلس وبين الوجود التركي في قطر.. وهذه مسألة قد لا تكون سهلة.. وربما لا تكون ممكنة لأن الاتفاقات المحورية كل لا يمكن تجزئته.. وبالتالي فإن من الصعب أن تفك الجانب الاقتصادي عن الجانب الأمني.. أو السياسي عن الوضع العسكري.. أو الاجتماعي.. أو حتى النفسي....

• وعندما نتحدث عن تنسيق فإننا نتحدث عن التقاء رؤى الأطراف المكونة لهذا التنسيق بكل مخرجاته وعوائده النهائية، لأنه مرحلة من مراحل التكامل واندماج المصالح وتعاظمها.. وإذا حصل خلل في جانب فإنه قد يُؤثر على الجوانب الأخرى..

•• والإخوة في تركيا يدركون أن الأوضاع الراهنة تجعلهم يحتاجون إلى المملكة وشقيقاتها بقدر حاجتهم إليها..

•• فهم الآن - موجودون في سورية.. ويوجد على مقربة منهم الإيرانيون.. وربيبتهم ميليشيات حزب الله.. إضافة إلى الروس.. وليس بعيداً عنهم من يسمون أنفسهم بسورية الديموقراطية وما يسعون إليه من إقامة كيان كردي على مقربة منهم.. بدعم معلن ومعروف من قبل كل من موسكو وواشنطن..

•• كما أنهم بحكم وجود قوة منهم في العراق جاءت في ظروف معينة.. وبدا أن العراقيين يريدون نهاية لهذا الوجود لاسيما في ظل انتصارهم على «داعش» وإيقافهم لخطر داهم تهدد سلامتهم على مدى أكثر من ثلاث سنوات. وبالتالي فإن علاقتهم بالجار العراق بحاجة إلى ترميم شديد وقوي بالتعاون بين الجميع.

•• وفي ذات الوقت الذي يواجهون فيه وضعاً غير مريح بالنسبة لأكراد الداخل التركي.. فإنهم يتابعون أيضاً تفاصيل ما يجري في إقليم كردستان العراق.. وما أعلنوه من الاتجاه نحو إجراء استفتاء على مصير الإقليم ومستقبله.. وهو التوجه الذي يرى فيه الباحثون الإستراتيجيون أنه بداية لقيام دولة كردية مستقلة بكل ما قد يؤدي إليه هذا من تداعيات سواء داخل العراق.. أو في خارجه.. أو مع الأتراك على وجه التحديد.

•• فإذا أضفنا إلى كل هذا.. تلك الفجوة القائمة أيضاً بين الأتراك والأمريكيين والأوروبيين ولاسيما بعد الأحداث التي أعقبت الانقلاب على السلطة فيها.. ونجاحها في القضاء عليه قبل نجاحه.. فإننا سندرك مدى حاجة تركيا إلى أصدقائها الحقيقيين.

•• إن هذه المشكلات وغيرها.. تشكل صداعاً يومياً بالنسبة لإسطنبول.. وهي ليست بحاجة إلى متاعب جديدة أخرى لا في منطقة الشرق الأوسط.. ولا في الداخل التركي.. فضلاً عن أن تكون مع الأسرة الدولية إذا أصبح الآخرون ينظرون إليها كطرف يحاول بعث الماضي وإعادة عهود الإمبراطوريات البائدة.. وهو ما يقول به أعداء تركيا الآن.. ولا نتفق معهم فيه.. لأن تركيا قبل غيرها تُدرك أن العصر غير تلك العصور.. وأن الشعوب التي ودعت الاستعمار بكل أشكاله وألوانه لم تعد مستعدة لرهن حرياتها.. ومكاسبها لأي قوة على وجه الأرض مهما عظمت مكانتها.. وأن كل دولة من دول العالم لديها من المشكلات وأمامها من التحديات ما لا يجعلها تفكر بمثل هذه الطريقة الساذجة في عصر الدولة العالمية الواحدة بفعل اندماج المصالح.. وتعاظم المكتسبات المتحققة من سياسات التعاون والتكامل والاعتماد المتبادل..

النصيحة الوحيدة من تركيا لقطر

•• وإذا استمع الرئيس أردوغان إلى كل هذه الحقائق وتلك المعطيات بروح الأخوة والمسؤولية.. وذلك ما نتوقعه.. فإن الزيارة يمكن أن تحقق الأهداف المرجوة منها.. وفي مقدمتها تقديم النصح الأمين للأشقاء في قطر بإدخال تغييرات جذرية على سياساتهم الحالية تكفل تحقيق الأمان المطلوب لمنطقة الخليج بعيداً عن القلق أو المخاوف من أي جهة كانت. وبالتالي خروج جميع الأطراف وسائر القوى من أراضيها.. وتهيئة كافة الأسباب المؤدية إلى تعزيز التعاون بين دوله الست، وطمأنة المجتمع الدولي إلى أن مصالحه فيها غير مهددة بأي نوع من الأخطار..

•• لو حدث هذا، والرئيس أردوغان قادر على عمله، فإن تركيا ستصبح هي الطرف الأفضل عند دول وشعوب المنظومة الخليجية.. لاسيما عندما لا يصبح لإيران مكان فيها.. وتصبح مصالحنا واحدة.. ويقف كل منا إلى جانب الآخر.. بدل أن يكون مصدر تهديد له.. تحت أي ظرف من الظروف.

•• ولا أظن أن ما سوف يسمعه «أردوغان» في الكويت غداً يختلف عما سمعه منا نحن هنا في المملكة.. لأن هاجس تنظيف الخليج من الإرهاب بكل أشكاله وألوانه.. هو هاجس واحد، وحرص الجميع على النأي بدولنا وشعوبنا عن أسباب الفتن ومصادر تغذيتها لا يختلف بين عاصمة خليجية وأخرى.. وبالتالي فإن «الرئيس أردوغان» سوف يحمل في النهاية رسالة واحدة من الجميع إلى الشقيقة قطر هي: أنه لا مكان لغير أهل الخيج في الخليج.