-A +A
عبدالله صادق دحلان
تقاس قوى الدول المتقدمة بقوة القضاء الذي يحكم، وتنفذ أحكامه على كل من خالف الأنظمة والقوانين المدنية في الدول العلمانية وفي الدول الإسلامية.. قوة القضاء تنبع من ارتباط حكم القضاء بكتاب الله وسنة نبيه، وهو أساس الأنظمة والقوانين الموضوعة في الدول الإسلامية، ومنها المملكة العربية السعودية التي نفتخر بقضائها العادل وبقضاتها الملتزمين بشرع الله وسنة نبيه، وهم -إن شاء الله- ممن أحسن ولي الأمر في اختيارهم، وممن أعطيت لهم الأمانة للقضاء وإصدار الأحكام. ورغم ما يقال أحياناً في القضاء والقضاة إلا أنها أقاويل ترد على أصحابها ويحاسبون عليها. والأصل في الأحكام القضائية كتاب الله وسنة نبيه، وقيمة الأحكام القضائية تظهر وتحترم إذا وجدت آلية التنفيذ القوية التي تضرب بيد من حديد على يد كل من يتهرب من تنفيذ الأحكام القضائية. والأحكام درجات حتى تصل إلى قاضي التنفيذ الذي يعتبر حكمه نافذاً وينبغي على الجهة الرسمية تفعيل الحكم وتنفيذه بالقوة الجبرية على من حُكم عليه بحكم واجب النفاذ. والحقيقة أن قضاة التنفيذ قد عالجوا مشكلة كبيرة كان يعاني منها القطاع الخاص والمستثمرون، حيث إن كثيرا من المتعاملين معهم كانوا يتهربون من دفع الحقوق ولكن قضاء التنفيذ أصبحت أحكامه نافذة بقوة الأجهزة التنفيذية لتطبيقه. وفي معظم الأحكام التي تصدر على الأفراد أو المؤسسات تنفذ بقوة الجهاز التنفيذي ومنها الشرطة وبقوة نظام وقف المعاملات الرسمية في جميع الأجهزة الحكومية. وهي كارثة على المؤسسات والشركات والأفراد لأن وقفها يعني تجميد أعمالهم ومصالحهم، ابتداءً من حقوقهم لدى الدولة، أو الجوازات، والاستقدام، ونظام العمل، وأي تجديدات للرخص والسجلات، ومنعهم من السفر وغيرها. ولا أعتقد أن هناك مؤسسة أو شركة أو رجل أعمال رشيدا يضع نفسه في هذا الموقف، ولا هوادة في التنفيذ. لكن القضية التي أطرحها اليوم ويعاني منها أصحاب الأحكام من مؤسسات وشركات وأفراد، ممن صدرت لصالحهم منذ سنوات أحكام بتغريم جهات حكومية (مؤسسات، أو وزارات، أو أمانات مدن، أو شركات حكومية)، إلا أنها للأسف لم تنفذ وأصبحت مجرد أحكام، ولم تعطِ هذه الجهات الرسمية أي اعتبار لهذه الأحكام الشرعية حتى تجرأ بعض من كبار المسؤولين في الأمانات قائلاً بأنها مجرد أحكام ولهم فيها وجهة نظر.. غير عابئين أو مكترثين لها بحجة أنها ضد أجهزة حكومية ولا تنفذ الأحكام على الأجهزة الحكومية، وهو رأي مردود على أصحابه أيما كانت وظائفهم ابتداءً من الوزراء إلى أصغر موظف حكومي. ولو كان رأيهم صحيحا لما صدرت الأحكام الشرعية على أجهزتهم الحكومية، ولو رأيهم صحيح لما قبلت المحاكم المحترمة النظر في القضايا التي تقام على أجهزة حكومية. ولو استمر هذا المفهوم لدى بعض كبار المسؤولين في الدولة فإن هذا سيضعف الحكم القضائي وسيضعف المحاكم القضائية والقضاة الشرعيين. وأنا اليوم أتمنى من وزارة العدل النظر في هذه القضية وحصر القضايا التي صدرت فيها أحكام على أجهزة حكومية والبحث عن أسباب عدم التنفيذ. وإذا جاز لي الاقتراح فإنني أتمنى من الدولة تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة على الأجهزة الحكومية وتحميل حكمها على المسؤول الأول في الوزارة أو المؤسسة أو الشركة؛ لأنه ارتكب خطأ في معالجة الموضوع، دفع الطرف الآخر إلى التظلم عند القضاء وحكم له القضاء، فأرى أنه السبب في الحكم وهو المسؤول الأول في الجهاز الحكومي الذي حُكم عليه، وليس من المنطق أن يدفع الجهاز الحكومي قيمة أخطاء مسؤولين فيه؛ لأنه هو الممثل الأول له وهو صاحب القرار الأخير، وكان بإمكانه تفادي هذا الخطأ. ولو طبق هذا المبدأ لراجع كل مسؤول نفسه وموظفيه المسؤولين في جهازه الحكومي، وأعاد النظر في بعض القضايا وأوجد لها حلولاً قبل الوصول للمحاكم الشرعية المتخصصة. إن طرحي اليوم ينطلق من نظام محاكمة الوزراء ومن مادته الخامسة التي حددت «عقوبة السجن لمدة تتراوح من ثلاث إلى عشر سنوات إذا عمل على استغلال النفوذ ولو بطريقة الإيهام للحصول على فائدة أو ميزة لنفسه أو غيره من أي هيئة أو شركة أو مؤسسة أو مصلحة من مصالح الدولة، كما تطبق العقوبة نفسها إذا ما تعمد المتهم مخالفة النظم واللوائح والأوامر التي يترتب عليها (ضياع حقوق الدولة المالية) أو حقوق الأفراد الثابتة شرعاً أو نظاماً». وهذا يعني أن كل من تسبب في خسارة أي جهاز من أجهزة الدولة وصدر فيها حكم على الجهاز حكماً شرعياً من إحدى المحاكم الشرعية يغرم الجهاز تكلفة مالية فهو هدر للمال العام من المفروض أن يطبق عليه النظام في مادته الخامسة.

* كاتب اقتصادي سعودي


abdullahdahlan@yahoo.com