عبدالجليل العربي
عبدالجليل العربي
-A +A
حاورته: أروى المهنا arwa_almohanna@
استطاع الباحث والمترجم التونسي عبدالجليل العربي أن يكسب رهان المغامرة في ترجمة عمل «هيا نشتر شاعراً» للكاتب البرتغالي أفونسو كروش، عمل أستاذ الأدب العربي المعاصر واللغة العربية في جامعة لشبونة الجديدة في البرتغال على الأدب المقارن في أطروحته الدكتوراه، كما عمل في مؤسسة جوزيه ساراماغو لعدة سنوات متتالية، يهتم عبدالجليل العربي بعوالم الأدب البرتغالي والبرازيلي منذ أن كان شاباً مكتشفاً من خلال هذا الفضاء أصواتا أدبية جديدة له في الترجمة «بائع الماضي»، «ميتتان لرجل واحد»، «ماراثون الخلود»، وإليكم نص الحوار:

• لماذا اتجهت للأدب البرازيلي والبرتغالي تحديدا ؟


•• يعود اهتمامي بالأدب المكتوب باللغة البرتغالية لسببين؛ أولهما ذاتي مرتبط بلحظة انبهاري، شابّا، ببعض أعمال جورج أمادو المترجمة إلى العربية، إذ ظلّ في داخلي ذلك الحب وذلك الميل لعوالم الأدب البرازيلي خاصة، وثانيهما أكاديمي مهني يعود لاطلاعي عليه مباشرة وفي لغته الأصلية.

فبحكم إقامتي في البرتغال، منذ 15 سنة، حيث واصلت دراساتي الجامعية العليا في جامعة لشبونة الجديدة، في تخصص الأدب المقارن، توفرت لي ظروف وآليات التخصص في هذا الأدب، والتعمق في مداراته ومساقاته واكتشاف مناخات ورؤى قضايا وأساليب متميزة ينهض عليها هذا الأدب.

لم تغادرني أبدا فكرة ترجمة بعضه إلى اللغة العربية، وتمكين القارئ العربي من فرصة اكتشاف أصوات أدبية جديدة. ورغم أن المشروع ما زال في بداياته فقد ترجمت منه إلى العربية، إلى حد الآن أعمالا روائية من بعض الدول الناطقة بالبرتغالية، ومنها البرازيل (جورج أمادو، ميتتان لرجل واحد، مسكيلياني)، وأنغولا (جوزيه إدواردو أغوالوز، بائع الماضي، دار نون)، والبرتغال (أندريه أوليفيرا، ماراثون الخلود، دار نون و أفونسو كروش، هيا نشتر شاعرا، دار مسكيلياني)، وهناك ثلاث ترجمات جديدة قيد الإنجاز وستصدر قريبا.

• هل هناك آلية خاصة بالعربي لانتقاء ما يريد ترجمته ؟

•• أنا متابع ومطلع بصفة دائمة على قديم هذا الأدب وجديده، سواء في المجال النقدي أو الإبداعي، ولذا فإن آلية اختيار العمل المترجم لا تتم إلا بعد دراسة مكوناته الجمالية والفنية وطرافة قضاياه، وما يمكن إضافته للقارئ العربي بصفة خاصة. وطبعا يتم التشاور مع الناشر في المسألة، خاصة إن كان الكاتب غير معروف في العالم العربي.

• «هيا نشتر شاعراً» ماذا أضاف لك كمترجم للعمل ؟

•• تمثلت الإضافة الحقيقية في كسب رهان مغامرة تقديم كاتب برتغالي غير معروف في العالم العربي، وهو أفونسو كروش، وفعلا، استطاع الكتاب أن يفرض حضوره ويكسب مكانته، فقد لاقى تقبلا كبيرا على مستوى المقروئية وإقبال القراء عليه، وحظي أيضا باهتمام نقدي واسع إلى حدّ الآن. صدرت الرواية منذ ستة أشهر تقريبا وهي في طبعتها الثانية الآن، أشعر بالرضا عن هذا الاختيار الذي اطمأن له العديد من القراء والنقاد العرب. أنا والناشر فاجأنا القارئ العربي بنص طريف وبديع ومغو.

• ماذا يفتقد المشهد الثقافي العربي مقارنة بالعالم الغربي ؟

•• المشهد الثقافي العربي ليس، في الحقيقة، بكل ذلك السوء الذي يصوّره البعض. يوجد تقصير وهذا صحيح ولكن يوجد أيضا اجتهاد في اتجاه التطوير، ولكن في ما يتعلق بالقراءة بصفة عامة، أعتقد أنّ نسبة القراء بصدد الارتفاع في كل البلدان العربية، بسبب التغيرات الاقتصادية وتحسّن الظروف المعيشية من جهة، وبسبب تجديد وسائل القراءة وخاصة الإلكترونية منها من جهة ثانية.

ولكن تظل المشكلة الأساسية في تحديد منزلة الثقافة في سياسات الدول العربية، فهي ليست لها أولوية وميزانياتها ضعيفة وتفتقد، في أغلبها، إلى مخططات هادفة. فكل ما تقوم به أغلب الدول العربية هو بعث تظاهرات ونشاطات ثقافية وليس القيام بسياسات ثقافية بالمفهوم السياسي والفني للكلمة.

فهناك تقصير في نشر المكتبات في كل المدن والبلدات العربية، وهناك ندرة في البرامج الثقافية التلفزيونية، وفي نشر المسارح، ودور السينما، والموسيقى.. توجد في أغلب الدول الغربية مؤسسات مستقلة ومتعددة الدخل متخصصة في الشأن الثقافي وراعية له، وهذا ما ينقص الساحة الثقافية العربية بصفة خاصة.

وقد كان أفونسو كروش في رواية «هيا نشتر شاعرا» قد أضاف فصلا للكتاب، يشبه الخاتمة، ليدلل بالأرقام والنسب على قيمة الثقافة، ليست المعرفية فحسب، وإنما أيضا الاقتصادية والنفعية وحذّر من تراجع الاهتمام بها.

• هل يمكن أن يبحث القارئ في البرتغال حيث تعيش عن أسماء روائية عربية ؟

•• نعم، يوجد بعض الانفتاح ورغبة في الاطلاع على الأدب العربي المعاصر منه بصفة خاصة، رغبة في فهم التغيرات التي تعيشها المنطقة العربية وكيفية تجليها أدبيا وفنيا، ألاحظ هذا الاهتمام بصفة خاصة لدى الطلاب الذين يقبلون على درس الأدب العربي المعاصر المترجم إلى البرتغالية الذي قدمته بجامعة لشبونة الجديدة.

كان الدرس الوحيد من نوعه في الجامعات البرتغالية الذي اجتهد في التعريف باتجاهات الأدب العربي المعاصر، وفي تقديم بعض قضاياه المحلية والإنسانية، ولكن للأسف حركة الترجمة من العربية إلى البرتغالية ضعيفة ومحدودة إلى حد الآن، فهذا الدرس يعتمد على الأدب المترجم بحكم عدم توفر ظروف تدريسه باللغة العربية.

• هل هناك عراب للترجمة في الوطن العربي ؟

•• ليست لدي فكرة عميقة، في الحقيقة، عن هذه المسألة، فعلى مستوى الأفراد بدأت تتشكل كوكبة من المترجمين المختصين في لغات بعينها كالإيطالية والصينية والإسبانية والألمانية، وفي هذا مكسب جيد للثقافة العربية، بعد أن كانت الترجمة تتم في أغلبها من الفرنسية والإنجليزية، من الأسماء التي تأتي إلى ذهني بحكم وفرة الترجمات في مواضيع محددة، هو صالح علماني في ترجمة الأدب الإسباني، وعلي مصباح صاحب مشروع ترجمة أعمال نيتشه، وآمل أن يتزايد عدد المترجمين وتتعدد المؤسسات المهتمة بالترجمة في البلدان العربية.

• سبق أن عرض عليك ترجمة عمل روائي ورفضته ؟

•• نعم، حدث ذلك ولكن الرفض لم يكن بسبب قيمة العمل، ولكن لعدم قدرتي على الالتزام بتنفيذه وفق شروط مخصوصة، بحكم ارتباطي بمشروع ترجمة روايات معينة ولكن كنت سأرفض، طبعا، أي عمل لا يتماشى ورأيي النقدي فيه وذوقي الجمالي الذاتي حوله.

• كيف ترى عمل الاتحاد الدولي للمترجمين ؟

•• في الحقيقة، الاتحاد الدولي للمترجمين مثله مثل المنظمات الدولية الأخرى ما زالت للأسف تعتمد على المركزية اللغوية للدول الكبرى، فالاهتمام يعود أساسا للغات الغربية للدول النافذة كالإنجليزية والفرنسية وبدرجة أقل الألمانية، أما اللغات العالمية الأخرى فلم تتمكن بعد من الاقتراب من الدائرة الأولى، أما من جهة أخرى فالاتحاد له دور كبير في حماية حقوق المترجمين والدفاع عنهم.