-A +A
خالد صالح الفاضلي
حتى إذا ما استتب عرشهم، وزاد مالهم، انقاد أغلب ملوك العرب الأقدمين إلى شهوة التوسع الجغرافي، إذ أصبح كل ملك يردف لقبه باسم كل ديار استولى عليها للتأكيد على مد سلطانه.

وصل «أبو كرب أسعد» قبل عام 400 ميلادية إلى لقب «ملك سبأ وذوريدان وحضرموت ويمنت أعرب طودم وتهمت»، أي أعراب الجبل والسهل، ثم استوعب ملوك العرب القدماء، واستفادوا من عبقرية «قسطنطين الأكبر» امبراطور «البيزنطية» عندما قرر عام 375 ميلادية تحويل المسيحية إلى دين رسمي لامبراطوريته من أجل خلق سبب مقدس للتمدد الجغرافي، والنفاذ إلى أراض جديدة حكماً، أو اتفاقيات اقتصادية وتحالفات سياسية.


كانت شهوة التوسع الجغرافي، وحروب الأديان، كذلك التحالف العسكري والسلطوي مع عروش مجاورة، أهم أسباب خروج العرب الأقدمين من قائمة «بناة الحضارات»، ودخولهم قوافل الهجرات الجماعية، والشتات القبلي، فكل عرش لهُ نازع، ومُسترد، وتحالفات مع الجيران «أحباشهم، وفرسهم، ورومهم»، فكانت النتيجة يحكم الملك العربي تحت وصاية أجنبية، ثم يحكم الأجنبي مباشرة، فلقد تناوب على حكم اليمن الأحباش والفرس بشكل مباشر.

لعبت آنذاك فارس أدواراً محورية في تاريخ الأمم، فعندما قرر الرومان عام 70 ميلادية سحق اليهود في القدس «في عهد فسباسيانوس» استقبلتهم فارس، وكررت ذلك لاحقاً مع اليهود عندما نصبت الامبراطورية البيزنطية نفسها وريثاً للرومان، وحارساً للمسيحية.

بعد ذلك بعدة قرون عاد ملك حمير «يوسف أسار» صاحب لقب «ذو نواس» عام 520 ميلادية لإعادة تصنيع الحرب المعتمدة على دين، فأطلق أيادي اليهود للانتقام من المسيحيين في الجزيرة العربية حتى وصل بهم إلى «نجران» وقصة أصحاب الأخدود، وكانت النتيجة مقتل «ذو نواس» انتقاماً على يد جيش الأحباش، حتى وصل التاريخ بنا إلى «إبرهة الحبشي» وتوسعاته، أصابته عدوى ملوك العرب.

تنازع الروم والأحباش من جهة والفرس من جهة أخرى تاريخ العرب، واستجابوا لنداءات ملوك العرب المهووسين بفكرة التوسع الجغرافي، والعيش دهوراً مديدة في أتون حروب، فلا تنطفئ حرب إلا بحرب أكبر منها.

يتكرر ذلك بمحاولة قطر حالياً (شهوة التوسع الجغرافي على أكتاف «دين الإخوان» وجماعات الإرهاب المسلح)، وغير مستبعد أن تعود فارس إلى حكم العرش القطري بالوصاية، ثم بالأصالة، بعد أن سبقهم على أرض قطر «روم الأمس، أتراك اليوم»، ففي قطر حالياً تتحقق للتاريخ إعادة كتابة نفسه (عرش عربي، تصيبه لوثة التوسع، يستعين بروم وفرس ضد شعبه وعرقه).

تقدم قطر صورة مختصرة عن ممارسات ملوك العرب الأقدمين عندما زاد مالهم، ضاق بهم عرشهم، فتخيلوا له ماضياً بعيداً مكذوباً، وبادروا إلى إكبار صغائره وتمجيد حقائره، وتحويله إلى بوابة يدخل منها جيوش فارس والروم إلى ديار العرب.

jeddah9000@hotmail.comm