-A +A
نجيب يماني
وردت في كتاب كليلة ودمنة للوزير العالم عبدالله بن المقفع، حكاية عن دمنة تقول فيها: زعموا أن ثعلباً أتى أجمة فيها طبل معلق على شجرة، كلما هبت ريح على قضبان تلك الشجرة حركتها، فضربت الطبل، فسمع له صوت باهر، فتوجه الثعلب نحوه لأجل ما سمع من عظيم صوته، فلما أتاه وجده ضخماً، فأيقن في نفسه بكثرة الشحم واللحم، فعالجه حتى شقه فلما رآه أجوف لا شيء فيه قال: لا أدري لعل أفشل الأشياء أجهرها صوتا وأعظمها جثة.

تذكرت هذه الحكاية وما ترمز إليه مع الأحداث الكبيرة التي تمر بها منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، بسبب الخروقات القطرية تجاه جيرانها ذي الجنب ومصر الشقيقة الكبرى، ومحاولات قطر فرض سيطرتها على مجريات الأمور والتدخل في شؤون هذه الدول من أجل عيون الإخوان، وإثارة القلاقل والفتن، ودعم الإرهاب ومساندة الجماعات المتطرفة، وإتيان كل ما من شأنه زعزعة استقرار وأمن دول مجلس التعاون وعلى رأسها السعودية، رغم اتفاق الرياض في العام 1435 لإنهاء الخلاف بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى، والتعهد بالإقلاع عن معاداة جيرانها، وطرد حماس والإخوان، ووقف الجزيرة ومنعها من بث تحريضها المتواصل على الأنظمة المجاورة، والاستقواء بالإخوان وشيخهم المعمم القرضاوي الذي فاخر في شريط مبثوث أن لقطر دورا كبيرا في ثورات الربيع العربي، ودمار تلك الدول، وتحريضه علنا على قتل قذافي ليبيا بدم بارد.


استمرت قطر في مؤامراتها وتحريك رؤوس الفتنة في دول المنطقة، ممارسة دورا أكبر من حجمها، نافضة يدها مما تعهدت به سابقا، واليوم وبعد أن استنفدت الدول المتضررة كل السبل لعلاج الشطط القطري وتخريب المنطقة وإفشال كل المساعي والجهود الدبلوماسية لحل الأزمة بمواصلة سياستها العدوانية، مستقوية بالإخوان وحاضنتهم تركيا، متكئة على أحلام إيرانية بالهيمنة والتوسع، متعاطفة مع باقي الجماعات الإرهابية الأخرى والتي مولتها قطر بـ 64.2 مليار دولار خلال خمسة أعوام في لحظات من المتعة العابرة؛ تقذف قطر أموالها في رحم حركات الإسلام السياسي لتحصل على لذة عابرة لا تدوم طويلا، مثيرة لشهوتها العدوانية وممارسة دورا أكبر من دورها وحجمها.

أفعال قطر استطاعت إسقاط الأقنعة وإظهار الوجه الحقيقي للشيطان، (23) ألف حساب جندتها الدوحة لمهاجمة المملكة والإساءة إليها عبر تويتر ومنصات التواصل تبث سمومها من لبنان المخطوفة من حزب الله، وتركيا حاضنة الإخوان، والعراق المستباح من قبل إيران. من الغباء أن تضع الدوحة نفسها في منافسة مع السعودية الأكبر في مساحتها وعدد سكانها وموقعها الجغرافي ومكانتها التاريخية وثقلها الديني والمادي والسياسي، وإلا كانت كطبل دمنة في حكاية المقفع.

قطر تعدت حدود الجغرافيا وفواصل التاريخ استكبارا وعلوا في الأرض دون مقومات حقيقية لهذا الاستقواء.

كلنا يذكر عندما توعد المرشح الفرنسي ايمانويل ماكرون بإعادة النظر في الاتفاقات التفضيلية لقطر في فرنسا ودورها المثير للريبة عبر دعم تنظيمات الإسلام السياسي والتوسع في استثمارات كبيرة تحمل طابعا سياسيا، وقد أكد لقناة (بي إف تي في) بأنه سينهي الاتفاقات التي تخدم مصلحة قطر في فرنسا، ومن ضمنها التحويلات المشبوهة التي تدفعها الدوحة لصالح جمعيات تعمل في ضواحي باريس والمدن الكبرى في فرنسا، واستثماراتها في برامج تأخذ أشكالا تنموية داخل المناطق والأحياء التي تقطنها الجاليات المسلمة، يخفي أجندة قطرية للترويج للإسلام السياسي الذي ترعاه وتشدد بموجبه الهيمنة على المسلمين في فرنسا، وهذا ما حدث في ألمانيا وبريطانيا والهند وليبيا وسوريا وبقية الدول الأخرى المنكوبة بأموال قطرية غرضها استمرار حركات الإسلام السياسي وتطويعها لمصلحتها ودعم الجماعات الجهادية المتفلتة في العالم.

إن الدوحة ما زالت راعية أساسية لحركات الإسلام السياسي وحاضنة لزعامات تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية واستغلالها لصالحها، مبررة جرائمها باتكائها على الدين واتخاذه كقناع يخفي أساليبها الرخيصة في إثارة الفتن وإشعال النار في كل الدول.

تحملت عبء هذا الخطاب شخصيات معروفة في المشهد السياسي المعاصر ظلت تصدع رؤوسنا وتعكر صفو حياتنا بما تعرض من أفكار هدفها العنف والخروج على الحاكم وإشاعة الفوضى والكذب وخداع الآخرين مثل القرضاوي وأطروحاته التحريضية، والغنوشي بأفكاره الميكافلية والتي أعلنها صراحة بفصل العمل السياسي لحزبه عن الأنشطة الدعوية، وهو كذوب، وأخيرا المنصف المرزوقي الذي قال بوقاحة الإخوان المعتادة إن حصار قطر هو آخر سهم في جعبة أنظمة تحاول منذ سنوات تحجيم دور قطر ومنعها من لعب دور سياسي خارج السيطرة، ومن أرادوا فضح قطر فضحوا وباتوا هم الذين في عزلة، وواقع الحال يكذبه.

هذه نماذج من الإخونج الذين يغيبون الحقائق بأسلوب مراوغ وخطابات تلبس لكل حالة لبوسها، إنها مثل الفيروسات في مواجهة المضادات، قطر هي الخاسر الوحيد. وقد استخف الإخوان بقادة قطر فأطاعوهم وأضاعوا قطر.