-A +A
أحلام محمد علاقي
واحد من كل خمسة أطفال في الولايات المتحدة الأمريكية يعاني من الجوع!

إحصائية صادمة ولكنها حقيقية. والمخيف أنها تدل على تفشي الجوع في دول تعتبر من دول العالم الأول التي لا نربطها عادة بالمجاعات والفقر.


ولكن الفقر لا يرحم، فهو يتفشى بأذرعه الأخطبوطية في كل مكان.

لدي صديقة أمريكية من أصول لاتينية ولدت وتربت في أمريكا وقالت لي إنها قضت طفولتها تصارع الجوع ويصارعها، إلى أن أغمي عليها ذات مرة في المدرسة من شدة الجوع في نهار بارد وهي تشم رائحة البانكيك تنطلق من كانتين المدرسة الذي يطعم الطلاب الأوفر مالا وحظا. يومها أشفقت عليها معلمة بالمدرسة عرفت قصتها وعرضت عليها ساندوتش ضخما من البينت بتر والمربى ووعدتها بساندوتش يومي مماثل. لم تنسِ صديقتي طعم هذا الساندوتش ولا رحمة هذه المعلمة الملائكية.

وليس هذا فقط في أمريكا، بل بالطبع نتوقع وجوده في أغلب أنحاء العالم لسبب أو آخر، إما الفقر أو ضيق الوقت أو العادات والتقاليد وغيرها.

وقد وجدت إحدى الباحثات الأنثروبولوجيات أن الأطفال الإناث بكل أسف يعانين من الجوع أكثر من الذكور حينما يكون مستوى العائلة المادية منخفضا. ففي بعض القرى في أماكن معينة في أفريقيا يعرض الطعام الجيد أولا على الرجال والذكور من الأطفال وحينما ينتهون يأتي دور النساء بعد ذلك. وكتبت إحدى الباحثات ذات مرة عن تفشي لين العظام بين البنات خاصة بإحدى القرى المصرية في الثمانينات من القرن الماضي بسبب فقر النظام الغذائي الشديد لديهن، فالولد يفضل عن البنت في قسمة الطعام لإيمان بعض العوائل بأن الولد هو الاستثمار الحقيقي للعائلة.

وأعرف فتاة فرنسية كانت تعيش مع والدتها فقط، وقالت لي إنها قضت طفولتها والجوع يقرصها ليل نهار، فأمها لم تكن تستطيع توفير الطعام إلا بالكاد. وكانت تمر بجانب الباتيسري وتستنشق الروائح وتتأمل من زجاج المخابز قطع الجاتوه والخبر فتشتهيها ولا تستطيع تذوقها ولم تعرف طعم الفطائر والكيك إلا حينما كبرت.

وصديقة لي يابانية قالت لي إنها وأختها كانتا تعانيان من الجوع طوال فترة طفولتهما وذلك لأن والديهما كانا يعملان فلم يكن أحد يملك الوقت ليطبخ، وكانت أمها لا تحب الطبخ ولا تجيده وتكرر على مسمعهما بأنهما يجب أن تكونا ممتنتين بأن هناك أي طعام على الطاولة مهما ساء طعمه. وكان الأب محبطا يفرغ غضبه في غسل الصحون كل يوم، فقد كان هذا دوره في العمل المنزلي وكان يردد دائما حكايات عن طبخ والدته الشهي وكان يعقب ذلك حرب حامية الوطيس.

ولم نذهب بعيدا؟ فقد قالت لي إحدى النساء ممن أثق فيهن، وهي ربما في الأربعين أو الخمسين من العمر، إنها تزوجت شخصا من منطقة أخرى من مملكتنا الحبيبة، وحين كانت عروسا وكان هذا ربما قبل ربع قرن من الزمان وجدت أن أهل زوجها يختلفون تماما عن أهلها الحجازيين في عاداتهم وتقاليدهم. فحينما زارتهم كعروس وجدت أن طعام الوليمة يعرض على الرجال أولا فيأكلون منه ما طابت أنفسهم به ثم تترك البواقي للنساء. ومن هول صدمتها يومها لم تستطع المجاملة ولا بلقمة واحدة وأكلت تفاحة واحدة فقط. وسمعت من النساء قصصا محزنة عن بعض الآباء وكيف يؤثرون الذكور دون الإناث بالطعام الجيد.

ربما يجدر بأطفالنا اليوم سماع بعض هذه القصص ليقدروا نعمة الطعام الذي يعرض عليهم ولله الحمد أشكالا وألوانا، وليحفظوا النعمة التي حبانا بها المولى. أدامها الله علينا وحفظها من الزوال.