-A +A
نورة محمد الحقباني
NORAH_MOHAMMED@

أهم شيء هو ألا تتوقف عن السؤال (ألبرت أينشتاين). أحياناً نحتاج أن نحمل أسئلة افتراضية بحثاً عن إجابات غير تقليدية، فماذا لو حدث موقف ما بيني وبينك أيها القارئ، وبنينا عليه قصة ونشرناها، وانتهت القصة في وقتها وأخذنا العبرة أو الخلاصة من الموقف، ثم مرت الأعوام.. فلنقل ١٠ أعوام!


وتوفيت أنت وبقيت أنا موجودة، وتذكر أحد الأشخاص الذين كانوا معنا في قلب الحدث، وسرد أحدهما نفس القصة لمجموعة كنا نشاطرهم الأحاديث، وذكر شيئا خاطئا في تلك القصة وقمت أنا بتعديله؛ لأنني كنت حاضرة وسمعت ما دار!

بعد ذلك مرت الأعوام وتوفيت أنا (بعد عمر طويل مديد)، وتوفي أيضاً الأشخاص الذين حضروا معنا ذلك الموقف، وما دار آنذاك فجاءت مناسبة بعد ٣٠ عاما من القصة الفعلية، وذكر شخص تلك القصة لمجموعة ليتشاطروا فائدتها، ولكن من عاشها فعلياً أشخاص ليسوا على قيد الحياة ولا يمكن التأكد من معلومات القصة، طالما أبطالها ماتوا..

فأثناء سرد القصة.. وقف شخص فلنسمه (معتصم) ورد على من يتحدث ويسردها ليقول له:

هناك معلومة ناقصة وأخرى خاطئة فيما ذكرت. فرد قائلها أنا متأكد من معلوماتي، فقد أخذت القصة من فلان الفلاني وهو ثقة، وأنت مَن هو مصدرك يا معتصم؟

فيرد معتصم أنا مصدري أوثق من مصدرك ويبدأ الجدل والشجار والاختلاف على قصةٍ حدثت قبل نصف قرن، وينحرف الحوار ويبدأ الاتهام بالكذب والشتم لتنطلق حلبة من العداوات والانشقاقات والتحزبات!

أليس هذا ما يحدث معنا تماما في بعض القضايا القديمة وحتى بعض الراهنة؟

يتخاصمون ويتعادون ويتحاكمون ويجعلونها مرجعاً لهم وهي أحداث حصلت منذ زمن بعيد!

كيف بإمكان أحداث قديمة أن تجعلني عدوة لمن يناقشني فيها؟

هذا ما يحصل بالضبط بين بعض التيارات والفرق..

هل عشتم معهم يا من تتناقشون تلك القصة والرواية؟ وهل هذا يتوجب أن نخلق عداء بيننا ولا نعيش في سلام؟

هل من المنطق قضاء الحياة في نبش الماضي والقال والقيل بما يعطل الفكر عن صناعة المستقبل والحاضر؟

فلنفكر قليلاً.. لنمنح التفكير العقلاني مساحة واسعة.

لا شك أن الماضي هو التاريخ، ولكن علينا تجنب كل ما يعكر صفاء مستقبلنا وحاضرنا وسلامنا، والابتعاد عن النبش في جدليات الماضي التي لم نعشها ونحن نتحدث عنها ليل نهار بجعلها محور رسالتنا وعلاقاتنا الإنسانية.

هناك قصص أمامنا تحصل كل يوم في الواقع المعاش، فلنأخذ من واقعنا ما شهدناه ونترك ما لم نعايشه بشكل مباشر؛ لأن لا نتائج إيجابية وصلنا لها بعد جدليات ونزاعات بعض الماضي، ولا تستحق التوقف عندها؛ لأنها ربما تخدم أجندات معيّنة ولا صحة لها!

نحن أبناء الْيَوْمَ فلنحقق آمالنا ونصنع مستقبلنا بما يعبر عن إنسانيتنا وحقيقتنا وهويتنا دون النبش في خلافات الماضي.

* اعلامية سعودية