-A +A
محمد الساعد
خلال حرب الخليج العام 1990، فوجئ السعوديون والعرب، بحضور قناة السي إن إن الأمريكية المكثف، التي تحولت إلى ناطق إعلامي باسم التحالف، ذلك البروز صاحبه نقل القناة وعلى الهواء مباشرة من بغداد لحظات القصف الأولى، كان مفاجئا أن يستطيع المشاهد في كل العالم سماع أصوات الإنذارات وهي تدوي بوتيرة واحدة، وزخات المضادات الأرضية تلاحق الطائرات الأمريكية بلا فائدة في عنان السماء، يا لها من لحظات غير مسبوقة.

المشهد الإعلامي العربي الرسمي ومنذ إذاعة صوت العرب أيام أحمد سعيد، لم يشهد نقلات نوعية في مسيرته إلا عند ولادة صحيفة الشرق الأوسط من رحم حرب الخليج الأولى، فقد وجدت القيادة السعودية أن دورها المتعاظم، يستوجب أن يكون له صوت إعلامي عربي دولي يعبر عنها وينقل وجهة نظرها، فكانت الشرق الأوسط ومجلة المجلة وعرب نيوز مستمرة في وهجها من أواخر السبعينات وحتى منتصف الألفية، حين أفلت وغاب بريقها.


أيضا جاءت الإم بي سي كقناة عامة موجهة للأسرة السعودية والعربية بسبب أزمة الخليج الثانية واحتلال صدام للكويت، حينها وجدت المملكة أنها أمام انفتاح هائل قادم بلا إعلام تلفزيوني حقيقي قادر على المواجهة ومسايرة العالم.

لكن المثير في مسيرة الإعلام العربي خاصة المرئي منه إنشاء قناة الجزيرة كنتيجة لانقلاب الشيخ حمد بن خليفة على والده، لتتحول فيما بعد إلى وسيلة إعلامية إخبارية منحازة ذات أيديولوجيا شعبوية، تهدف إلى إثارة المشاعر والتحكم في الجماهير، بل أقرب ما تكون لإعلام يوزف جوبليز وزير الدعاية النازية تحت قيادة هتلر.

استمرت الجزيرة متفردة بساحة الشرق الأوسط حتى خروج قناة العربية قبيل حرب أمريكا على العراق العام 2003، وبرز نجم (العربية) سريعا وأصبحت أكثر القنوات لمعانا، بسبب تنوع برامجها وتناولها المحايد للأحداث.

منذ شهرين تقريبا عاد الإعلام السعودي لواجهة الأحداث بعد بروز أزمة «الخيانة» القطرية للسعودية وبقية دول التحالف المناهض للإرهاب، عندما اختار النظام الحاكم في قطر الاندفاع وراء التنظيمات الإرهابية المقاتلة واحتضانها ودعمها بالمال والإعلام.

الجزيرة التي طالما ادعت أنها قناة تتخذ من قطر مقرا لها، وأن حكومة الدوحة لا تتحكم بها، انكشفت تماما وأصبحت إذاعة محلية تبث من داخل مبنى وزارة الإعلام القطرية، تتناول الخلاف الخليجي القطري كما تتناوله إذاعة جيش لحد، وانخرط مذيعوها من عرب الشمال، ورجيع الإخوان في سباب وشتائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن المراقب ربما وجد أن القناة القطرية العامة أكثر حيادية من الجزيرة.

من ثمار هذه الأزمة على المستوى العربي، كان بروزا إضافيا للإعلام السعودي خاصة العربية وصحيفتي «عكاظ» والجزيرة وقناة الإخبارية، فقد تحولت إلى مدفعيات تدك معاقل مستوطنات وخلايا عزمي بشارة الإعلامية، التي استثمر فيها تنظيم الحمدين مليارات الدولارات، وأنشأ لخدمتها إعلاما موازيا ودعمها بعشرات الآلاف من حسابات التواصل الاجتماعي، ومع ذلك لم تهزم أمام إعلام الرياض فقط، بل ومع المغردين الذين واجهوها بشراسة منحازين إلى وطنهم بالكلية.

«عكاظ» استطاعت ببراعة ومهارة ومهنية عالية إعادة المانشيت إلى مكانته الصحفية، وحولت صفحاتها إلى شاشات ناطقة تكاد أن تخاطب القارئ وجها لوجه، مستخدمة الجرافيك والرسومات والصور وتوظيفها لخدمة الأخبار والتقارير لإحداث ثأثير عميق في المتلقي، لقد كان حضور صحيفة «عكاظ» بارزا واستطاعت أن تكبل «الدعاية» القطرية، وتجعل من حجج الدوحة مثار سخرية.

قناة الإخبارية هي الأخرى بالرغم من كونها قناة حكومية إلا أنها تفوقت كثيرا على القنوات الخاصة القطرية التي تبث من الدوحة وإسطنبول ولندن، وكانت فاعلة بمتابعتها المباشرة وضيوفها البارزين، وبنت رصيدا من المصداقية أمام المشاهد المحلي والعربي، لم تجاره كل منصات عزمي وخلاياه الإعلامية.

(العربية) كانت كعادتها جبلا في وجه رياح السموم القادمة من الدوحة، على الرغم من مواجهتها خلال 15 عاما حروبا هائلة من «حزب قناة الجزيرة» السعودي عمل أثناءها مقاولا من الباطن لهدم (العربية) شعبيا، هذا الحزب المناوئ للوطن لم يكتف بالعربية، بل ضم إليها كثيرا من الوسائل والكتاب والإعلاميين، فقد كان تنظيم الحمدين يعلم أن المواجهة قادمة لا محالة، وأن صبر الرياض سوف ينفد وسيطاله غضبها، فحاول تدمير أسلحة المملكة الإعلامية لكن ذلك لم ولن يحدث أبدا.