-A +A
محمد آل سلطان
في تصوري أن هناك عدة قواسم مشتركة تجمع ما بين تنظيم الحمدين بن خليفة وبن جاسم والرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، فرغم كونهما، أي التنظيم والمخلوع، مختلفين اختلاف المصالح لا المبادئ إلا أنهما، أي التنظيم والمخلوع، اتفقا دائماً على إيذاء السعودية بشتى الطرق، ومحاولة زعزعة أمنها واستنزافها في حروب ومعارك مع الحوثيين وغيرهم من الخصوم الذين يتبدلون عندهم ويبقى الثابت هو العداء المستحكم للسعودية والخليج!، والمشترك الأكبر في نظري أن تنظيم الحمدين والمخلوع صالح بغبائهما ارتكبا غلطة العمر وهي عدم تقدير «حجم القوة السعودية» على كل الأصعدة، التقدير الذي يعرف الحدود الفاصلة بين السعودية الصبورة.. والسعودية الجريئة التي لا تَهاب!، وهذه الغلطة جرّت عليهم وستجر ويلات ومصائب لا قبل لهم بها.. لذا وبنفس الشكل والمضمون تقريباً لعب التنظيم والمخلوع على «التكتيك» كالثعالب ولكنهما لسوء حظهما لم يحسبا «للإستراتيجية» حساباتها..!. طوال عقود عملا على خلق أزمات تكتيكية لمكايدة الرياض، التي ظلت تمارس دور السعودية الصبورة بدبلوماسيتها الهادئة القائمة على الاحتواء قدر الإمكان، ولكن مشكلة من يعمل على خلق الأزمات التكتيكية في السياسة أنه قد يخدع نفسه ويجترئ على الدخول في لعبة خلق الأزمات الفاصلة التي تمس الإستراتيجية الأساسية لعاصمة ثقيلة مثل الرياض!، لذلك لم يتوقعا ردة الفعل السعودية العاصفة.. فوقفا مذهولين وكأنهما أمام سعودية أخرى لم يجرباها من قبل!. يقول كيسنجر إنه «في الأزمات الفاصلة يكون الأكثر جرأة هو الأكثر أماناً في أغلب الأحيان»، والدولة السعودية الثالثة منذ تأسيسها وعلى رغم أنها تبدو هادئة صبورة إلا أن التاريخ الحديث يعلمنا مرات عديدة أنها جريئة عاصفة إذا ما شعرت أنها أمام أزمات فاصلة تتعرض فيها إستراتيجيتها وثوابتها الأمنية والسياسية للتهديد!. تنظيم الحمدين وكما ذكرا في تسجيلات القذافي شعرا بالذل أمام السعودية، وتصورا أن قاعدة أمريكية ستجعل منهما إمبراطورية عظمى، واعترفا بالضغط السعودي على أمريكا وأنهما استخدما علاقتهما مع إسرائيل لتخفيف الضغط السعودي على الأمريكان، وأنهما يعملان على تفتيت السعودية، ثم أوقدا جذوة الربيع العربي المشؤوم، وجمعا الضد ونقيضه بهدف زعزعة وهدم استقرار السعودية وشقيقاتها الإمارات والبحرين ومصر.

وباءت محاولتهما بالفشل ثم خلعا نفسيهما خشية من غضب الرياض!، ولكنهما ارتكبا الخطأ الأكبر فتصورا أن السعودية ستصبر عليهما أو ستمنحهما 20 سنة أخرى.. فوجها «تميم» من وراء ستار لما قد بدآه واستثمرا فيه، فكان رد الرياض هذه المرة عاصفاً وغير متوقع لهما، ليس لإفشال مخططاتهما كما حدث سابقاً ولن ينفع فيه «حب الخشوم» على الطريقة الخليجية بل لاستئصال هذا الورم السرطاني وتوابعه إلى حيث لا رجعة أبداً، فسقطت الدوحة في دوامة سياسية لن تخرج منها كما كانت من قبل! وكذلك المخلوع صالح مارس نفس الدور القطري تجاه السعودية ولكن بطريقة أخرى، ومنذ استوعبته السعودية وصبرت عليه كثيراً منذ نهاية السبعينات مروراً بالاحتلال العراقي للكويت وتهديد السعودية وصنع مشكلة الحوثيين غير مرة على الحدود السعودية كانت إستراتيجية الرياض الحفاظ على اليمن مستقراً ومزدهراً اقتصادياً.. فشل صالح في الاثنتين! وتحملت أزماته وألاعيبه ما دامت وفق قياسات التكتيك لا خطوط الإستراتيجية ثم أنقذته بعد احتراقه وزرعت جلد وجهه، ومن بعد ذلك حفظت فيه ما تبقى من ماء! وأمنت له الخروج الأخير من السلطة تحقيقاً لإستراتيجيتها القائمة على إنقاذ الجارة اليمن من احتراب الربيع العربي المشؤوم، ولكنه انخدع وخدع نفسه ونكث ما تعهد به وأراد أن يحكم من وراء ستار فتحالف مع إيران وزرع الحوثيين مرة أخرى ثم جاء يركض للرياض قائلا أنا لها! كان الرد عاصفاً ولم يتوقعه المخلوع أبداً مثلما لم يتوقع تنظيم الحمدين ذلك أيضاً فزمن الألاعيب ولى، والرياض قد تصبر تكتيكياً ولكنها إذا ما تعرضت مصالحها الإستراتيجية وأمنها الوطني للخطر تصل إلى حدود غير متوقعة وبسرعة وتوقيت لن يستطيع المخلوع وتنظيم الحمدين استيعابهما!.