-A +A
عبدالله صايل
abdullahsayel@

كنت أزور أقارب لي وأحبة في بلدي الثاني الكويت عام ١٩٩٨م، وتوافد الجلوس في الديوانية التي استوعبتنا بالسخاء الكويتي المعروف، حتى وصل كهل في بداية مرحلة التقاعد، وطلب أن يستحوذ على الريموت كونترول. تحققت رغبته، وانتقل بنا المتقاعد من قناة إم بي سي إلى قناة الجزيرة. وكالعادة، كان هناك تكريس إعلامي على قناة الجزيرة لانتقاد شؤون سعودية ويمتد هذا التكريس الفج إلى الإمارات، والبحرين وحتى الكويت.


اعتدل المتقاعد في جلسته، وقال لنا نحن الشباب بلهجة كويتية صارمة: «حكام الخليج هذيلا مادري شنو تاليتها وياهم! فساد، بطالة، حقوق إنسان... وغيره وغيره» وارتشف شيئا من فنجان قهوته وأردف قائلا: «لكن الحمد لله اللي سخر لنا هالقناة تطلع المستور وتوعي الناس باللي صاير».

الحقيقة ما كنت لأفوّت على نفسي، وأنا الصحفي السعودي الشاب، فرصة أن أوجه سؤالا إلى هذا المتقاعد الذي يعتقد أنه وجد ضالته الإعلامية المنشودة في قناة الجزيرة، فقلت: «لا تؤاخذني يا عم.. ما تلاحظ أن قناة الجزيرة تتكلم عن الفساد وحقوق الإنسان والبطالة في كل دول الخليج باستثناء قطر؟»

لم يُجب «بوعدنان» بأي كلمة لدقيقتين أو أكثر.. واكتفى بنظرة دهشة ملأت وجهه وكأن هناك من شد أذنه وأطلعه قسرًا على حقيقة غائبة. وبدافع حفظ ماء الوجه، قال الرجل بعد أن ارتشف المزيد من قهوته: «هذا انتوا يالشباب.. لا عشتوا نكسات، ولا عشتوا تهجير، ولا عشتوا زوال ممالك للأبد.. وتقاومون أول فرصة يكون عندنا فيها إعلام حر بالخليج». كل ما كان مني هو أن قلت: «الظاهر ما فهمت سؤالي يا عم بوعدنان! أنت تشوف إن قطر خالية من كل هالقضايا ولهذا السبب استثنتها قناة الجزيرة وألصقت التهم والنقائص بدول من جيرانها؟ هل يعقل أن قطر خالية من قضايا فساد مالي وإداري، وخالية من مآخذ على حقوق الإنسان فيها، وبريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب فيما يتعلق بالانتخابات والمشاركة الشعبية والحريات وغيرها؟ هل قطر هي الدرة الأصيلة والوحيدة في الخليج وسط كومة من لآلئ زائفة؟»

غادر «بوعدنان» الديوانية مرددا: «للأسف الحكي مع شباب مثلكم مضيعة وقت وخسارة!». انتهى حواري المبتور مع بوعدنان إلى هذا الحد، ولكن بقيت المشكلة، فالآلاف من الشباب والكبار في الخليج ظنوا أن الجزيرة كانت نافذتهم على الحقيقة المغيّبة، بينما الواقع يؤكد أنها أنشئت لتفتيت الأمة العربية وإثارة النعرات بين شعوبها، والفضل في هذا عائد بكل تأكيد إلى انشغال منصات الإعلام المنافسة ـ والتي أنفقت عليها الحكومات الخليجية مئات الملايين ـ بأمرين لا ثالث لهما: البزنس التجاري (قنوات خارج الحدود)، وأخرى داخل الحدود اكتفت بتسخين البائت من المواد الإعلامية والرسائل الوعظية المُعلبة التي تجاوزها العقل الخليجي بسنوات من ضياء التقنية.