-A +A
طارق فدعق
العنوان هو جمع «البزبوز»؛ أي صنبور المياه أو الحنفية كما يسميها البعض. وفي بعض الأحيان تستطيع قراءة سمو الحضارات من خلالها. وعلى سبيل المثال فمن العجائب التي ستراها في العاصمة الإيطالية هي نحت الحروف SPQR على معظم المرافق العامة.. ستجدها عند بزابيز مياه البلدية، وعلى المباني الحكومية، وفي أسواق النفع العام، بل وحتى على أغطية الصرف الصحي أعزكم الله. ولهذه الحروف دلالات تاريخية وحضارية مهمة جدا تستحق وقفة تأمل. وترمز لثلاث كلمات قديمة جدا يعود أصلها إلى ما قبل نحو ألفين ومئة عام، وهي «سيناتوس بوب يولسك رومانوس» Senatus Populusque Romanus، ومعناها هذه من أملاك بلدية وشعب روما. وللحرص على الدقة فكانت الحكومة المحلية هي أقرب لكيان المجلس البلدي، وكانت عبارة عن مجلس شيوخ يتم انتخابه من أهالي روما ليمثلهم في جميع قضايا مدينتهم. وللعلم فلم تختلف مشكلات المدن آنذاك كثيرا عن أوضاع المدن اليوم من ناحية المبدأ.. كانت هناك شكاوى حيال الأمن، وكمية وجودة المياه، والصرف الصحي، والزحام وصعوبة النقل، والكثافات السكنية في الأحياء المختلفة، والتلوث البيئي، وسكن الفقراء و«الغلابى». ولا يخفى عليكم أن روما كانت أحد المنابر الحضارية التاريخية، فكانت متفوقة في توفير بيئة مدنية متميزة وبالذات في ما يتعلق بالمرافق المدنية، والبنية التحتية وبالذات خدمات السباكة من إيصال المياه للمواطنين ثم التخلص من المستخدم منها بطرق آمنة. وكانت إحدى سمات العلاقة بين المواطن والحكومة المحلية هي الشعور بالغيرة على الملكية العامة واعتبارها ملكية شبه خاصة للناس، ولذا وضعت الحروف المذكورة أعلاه لتأكيد هذا المبدأ الجميل. وتوارثته الأجيال عبر الزمن. وهناك المزيد.. فقد تبنت مجموعات من البلديات الأوروبية مبدأ المشاركة في ملكية المال العام بينها وبين سكان المدن، وستجد الرموز الشبيهة على بلديات كل من أمستردام في هولندا، وبازل في سويسرا، وبريمن في ألمانيا، ودبلن في إيرلندا، وليفربول في إنجلترا، والعاصمة الإنجليزية لندن، والعاصمة النمساوية فيينا، وغيرها.

إن تنمية الشعور بالمسؤولية نحو المرافق العامة هو أحد التحديات الكبيرة التي تواجه البلديات، وللأسف أنه دون المستوى المأمول في جميع مدن العالم وبالذات في الدول العربية. وسيادة مبدأ أن الأرض كلها مكان عبادة رفع درجة الوعي بالحفاظ على الأماكن العامة، والساحات المفتوحة، وبالتالي كانت هناك ضوابط للاعتناء بالمرافق العامة من قبل السكان.. وللأسف أنها تلاشت، والدلائل ظاهرة أمامنا في العلاقة بين السكان والمرافق العامة في مدننا اليوم. وبالرغم من محاولات زرع أهمية الاهتمام بالمال العام في المدارس، يبدو أن المشوار بحاجة إلى إعادة تقويم.


أمنية

أتمنى أن تنظر البلديات في موضوع تنمية العلاقة بين الإنسان والمرافق العامة لأنها وجدت لخدمته. وقد تكون إحدى المكاسب السريعة هي البدء بوضع شعارات تعكس أن الساكن مشترك في ملكية تلك المرافق، فهي ضمن «حقه» بمفهوم ما يملك. تخيلوا لو وضعت البلديات شعارات «ملك السكان والبلدية» على أصولها من مبان ومرافق وبزابيز.. ليذكر الجميع أن للإنسان حقا ومسؤولية. والله يوفقنا للحفاظ على المكتسبات الحضارية الهائلة في أوطاننا.

وهو من وراء القصد.