-A +A
عبدالرحمن الطريري
يأتي محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد السعودي، بعد حصوله على أعلى نسبة تصويت في تاريخ هيئة البيعة، بـ31 صوتا من بين 34 صوتا، في رسالة واضحة للداخل السعودي وللخارج على السواء، تؤكد التفاف الأسرة ورغبتها الجادة في استقرار مستقبل الحكم.

للتاريخ يجب القول إن الانتقال السلس للسلطة كان هو الثابت خلال العقدين الماضيين، حيث شهدت السعودية خمسة ولاة عهد منذ تولي الملك عبدالله رحمه الله، ويأتي الأمير محمد ليكون سادس ولي عهد، ممثلا لتولي جيل الشباب لمقاليد الحكم، في الدولة التي يمثل الشباب غالبية سكانها.


عرف الشباب السعودي الأمير محمد بن سلمان منذ العام 2011، حين أسس مؤسسة مسك الخيرية، والتي واكبت اهتمام الشباب بالشبكات الاجتماعية، وتطورت مع السنوات لتهتم بأنشطة متنوعة وتلامس اهتماماتهم، ومنها الرسم والتأليف والإنتاج البصري، وعقد العديد من الشراكات مع أرقى الجامعات حول العالم.

ثم عرفه المواطن السعودي وزيرا للدفاع، يقود عاصفة الحزم لردع الانقلابيين الحوثيين وأتباع المخلوع صالح، انتصارا للشرعية ورفضا للتمدد الإيراني في أرض عربية، وقادرا على جمع القرار العربي، عبر تحالف عربي من عشر دول، وهو أمر غير مسبوق في التاريخ العربي.

ولأن الإرهاب يستهدف كأولوية السعودية، لاحتضانها الحرمين الشريفين ولأنها رأس الحربة في التصدي للإرهاب، فقد كان التحالف الإسلامي الذي ضم أكثر من 40 دولة إسلامية، للتصدي للإرهاب الذي يُلصق نفسه بالإسلام، هادفا لتشويه الإسلام في العالم.

أما اقتصاديا فقد كان الأمير محمد صاحب الرؤية الشجاعة 2030، هذه الرؤية الطموحة التي تهدف للحد من اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط، كمورد رئيسي من موارد الميزانية، الرؤية طموحة والطريق للهدف ليس معبداً بالزهور، لكن هناك رؤية وهناك قيادة شجاعة لا تخجل من التصويب المستمر والمحاسبة الصارمة، التي لم يعهدها المجتمع سابقا.

الرؤية لم تكن اقتصادية فقط، بل شملت عدة مناح تهتم بتطوير نمط الحياة، وخلق فرص للترفيه الطبيعي للأسرة السعودية داخل المملكة، مما يساعد في خلق فرص جديدة للشباب، والحد من الهدر المادي في الخارج.

دبلوماسية المملكة خلال العامين الماضيين شهدت أيضا تطورا غير مسبوق، فقد شهدنا علاقات سعودية مميزة مع عدة دول، وكان الأميز خلق قنوات تواصل مع الدول التي قد نختلف معها سياسيا، لإيجاد نقاط توافق ومصالح مشتركة.

ولعل أبرز مثال على ذلك العلاقات السعودية الروسية، حيث قام الأمير محمد بن سلمان بعدة زيارات لروسيا، رغم الخلاف السياسي الموجود بشكل جلي في سورية، ولعل أبرز الزيارات تلك التي تلت زيارة الرئيس ترمب للرياض، تأكيدا على أن الرياض تهدف لعلاقات متزنة مع مختلف القوى العالمية.

وتجدر الإشارة إلى أن أحد أبرز المنجزات من التفاهم السعودي الروسي المشترك، هو التفاهم الذي وصل إليه وزير الطاقة السعودي خالد الفالح مع وزير الطاقة الروسي نوفاك، والذي مثل اتفاقا تاريخيا لأول مرة يتم بين أهم المنتجين داخل أوبك «السعودية»، مع أهم المنتجين خارج أوبك «روسيا الاتحادية»، وهو ما أسهم في استقرار أسواق النفط خلال الأشهر الأخيرة.

كما أن زيارة الأمير محمد لواشنطن، ولقاءه الرئيس دونالد ترمب، كأول زعيم عربي يلتقيه الرئيس ترمب، وصولا إلى اختيار الرئيس ترمب للرياض لتكون محطته الأولى، كاسرا العرف الرئاسي المعتاد، مضيفين إلى هذا النجاح الدبلوماسي، نجاحا آخر عبر تجاوز الرياض للقمة السعودية الأمريكية، لتكون مقر القمة الإسلامية الأمريكية، وهو ما مثل إصلاحا للعلاقات الإسلامية الأمريكية، ودفعا للتعاون نحو العدو المشترك «الإرهاب».

مجلة «فورين افيرز» السياسية الرصينة، كتبت موضوعا عن الأمير محمد قبل يومين بعنوان هل يعيد الأمير هيكلة السعودية، مشيرة بإعجاب إلى كاريزما الأمير، ونشاطه الملفت في العمل، وعمله بكل إصرار وبراغماتية للوصول لأهدافه، فهو يدرك المصاعب لكنه مصمم للوصول بوطنه إلى الهدف.

ترتيب بيت الحكم السعودي سبقه وستتلوه خطوات، نرى فيها الشباب في عدة مناصب، شاهدنا ذلك في الأوامر السابقة التي أتت بنواب المناطق من الأمراء الشباب، مرورا بتعيين سفراء شباب في عدة دول مهمة، كالولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا، وصولا لتعيين الوزير عبدالعزيز بن سعود بن نايف وزيرا للداخلية، هذه الوزارة المهمة التي يعرف منسوبوها أنهم يواجهون إرهابا، لم يتورع عن محاولة استهداف الحرم المكي قبل أيام، ولا عن استهداف الحرم النبوي العام الماضي.

السعودية تبهر العالم بقدرتها على الإنجاز على أكثر من محور، فهي تقوم بتعيينات تضخ دماء شابة، وتقوم بإصلاحات اقتصادية عدة، وإصلاحات قضائية آخرها تعيين «نائب عام»، ولَم يثنها عن ذلك كله تصديها للتحديات الإقليمية، التي يمثلها رعاة الإرهاب وممولوه.