-A +A
هاني الظاهري
التلاعب بمسميات الأشياء إعلاميا لمنحها أبعادا مغايرة للحقيقة لعبة سهلة يجيدها الكل وتنطلي على كثير من الناس، لكنها باتت حيلة الإعلام القطري الوحيدة سواء كان رسميا أو إعلام ظل، منذ بدء إجراءات مقاطعة الدوحة خليجيا وعربيا.

قديما كان يسمى مثل هذا السلوك في الثقافة العربية (التدليس)، وقد صنفت فيه العرب مصنفات كبرى أشهرها (طبقات المدلسين) لابن حجر العسقلاني، أما تدليس اليوم فهو أهم صفات السياسة القطرية والإعلام التابع لها، فالمقاطعة تسمى لدى نظام قطر حصارا، والشروط للعودة إلى البيت الخليجي تسمى طلبات، مع الفارق الكبير بين المصطلحين، أما الوساطة الكويتية فاختار القطريون تسميتها بالمفاوضات، ليشعروا أنفسهم وغيرهم بمنتهى السذاجة أنهم يمسكون بخيوط اللعبة السياسية وأن الدول المقاطِعة بحاجة للتفاوض معهم.


الواقع أن نظام الدوحة لم يعد يملك ما يفاوض عليه اليوم بأي حال من الأحوال، فإما الانصياع للشروط الخليجية والتوقف عن دعم الإرهاب والممارسات العدائية تجاه الجيران أو استمرار المقاطعة، وربما اتخاذ إجراءات أكثر قسوة من قبل الدول المقاطِعة، وهذا هو الأقرب برأيي نظرا لطبيعة تعاطي الساسة القطريين مع الشروط، ابتداء من تسريبها ليلة استلامها من الجانب الكويتي وليس انتهاء بالعبث الإعلامي المصاحب لذلك التسريب والذي يمكن وصفه بالمقامرة الأخيرة.

المثير للسخرية حقا أن قناة مطاريد الإرهاب (الجزيرة) التي تمثل السياسة القطرية بشكل كامل وبدون أي مساحيق تجميل، أصدرت بيانا ترد فيه على قائمة الشروط وترفض إغلاق نفسها، ما يؤكد أن الهوس السياسي القطري وصل لمرحلة متأخرة جدا لم يعد الشفاء منها أمرا متيسرا على المدى المنظور، وهذا يقين لدى الدول المقاطعة التي استجابت لطلب الوساطة تقديرا لمساعي سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح لا أكثر.

يتحدث بعض مستعربي الوسط الإعلامي في الدوحة المطاريد من أوطانهم الأصلية عن الخطر المتربص بالسيادة القطرية ومدى مساس قائمة الشروط بها، ولا نعرف حقا عن أي سيادة يمكن الحديث، لأن السؤال المنطقي في هذا الوضع هو: «أي سيادة بقيت لدولة يتحكم في قرارها السياسي الحرس الثوري الإيراني وتنظيم الإخوان الإرهابي فيما قرارها العسكري بيد كتيبة من الجيش التركي؟».

ما لا يريد قوله هؤلاء المرتزقة المنتفعون من التخبط السياسي القطري هو أن قائمة الشروط الخليجية ليست سوى حبل إنقاذ حقيقي لنظام الدوحة وفرصة أخيرة قد يتمكن بواسطتها من التحرر والخروج من حفرة الاستعمار التي أوقع وطنه فيها، فبالانصياع الكامل للشروط يمكنه استعادة السيادة القطرية من أيدي قوى الشر الاستعمارية التي تعبث بحاضر ومستقبل دولة قطر وشعبها ومقدراتها حاليا أمام العالم أجمع دون خجل.