-A +A
عبدالله صايل
abdullahsayel@

لم أفهم قط لماذا تكون هيئة التحقيق والادعاء العام تحت مظلة وزارة الداخلية؟ فأقسام الشرطة التي تحيل إليها القضايا تحت ذات المظلة، وكان المحققون في أقسام الشرطة يقومون بنفس الدور على مدى سنوات طويلة! فلماذا تكون هيئة في المقام الأول وهي لا تراعى شرط الاستقلال كحد أدنى؟ وربما كتبت مرارا عن عواقب هذا الارتباط الغريب، وكان آخرها مقالا نشر في عكاظ بعنوان «المرور السري.. الكاميرا متى؟»، وجاء في جسد المقال ما يلي:


«ومع جهل الملايين من شبابنا بالقرار المفضي إلى تطبيق أكثر العقوبات صرامة بحق من يبدي ملاحظة أو اعتراضا على المخالفة المرورية وطبيعتها، وبالتالي يدخل في نقاش انفعالي مع رجل المرور، دون إدراك من الشباب أن العقوبة تصل إلى الإحالة إلى المحكمة الجزائية من خلال هيئة التحقيق والادعاء العام التي تعترف أن رجل الأمن مصدق في كل ما يرفعه في تقريره ضد هذا الشاب المُخالف أو ذاك، ويؤدي كل هذا إلى تطبيق مدة محددة من الحبس (تمتد إلى 6 شهور)، وربما ينقطع بسببها الطالب عن دراسته ويدخل في منعطف لا تحمد عقباه بسبب قضية مرورية بسيطة».

من هنا، تكتشف أن هيئة التحقيق التى ألغيت لم تكن قائمة بمهمتها الأصلية في المقام الأول، فهي غير قادرة على التجرد، بحكم انضوائها تحت مظلة وزارة الداخلية، كما أنها عجزت عن تقديم أبسط إجراءات التطوير المأمولة ومنها تثبيت محققين مدنيين في الأقسام لمباشرة القضايا المستعجلة، ولم ترخص رسميا للمحامين بالتواجد في مراكز الشرطة والدفاع عن موكليهم خصوصا من صغار السن وأولئك الذين تخلو سجلاتهم من الجنايات.

ويأتي اليوم قرار خادم الحرمين الشريفين بإلغاء هيئة التحقيق والادعاء العام، إلى جانب إعفاء رئيسها السابق مترجما بشكل أبوي لنداءات أصوات أبنائه من كافة أطياف الشعب، والتي تصل إلينا كإعلاميين من خلال رسائل تكتبها أمهات مكلومات وآباء محزونون على فلذات أكبادهم، بسبب عجز هيئة التحقيق السابقة بل وإسهامها المباشر في الإضرار بعدد لا يستهان به من الشباب الذين أوقفوا طويلا في قضايا كان يمكن البت فيها في غضون أيام قليلة.

وبمناسبة تفعيل هذا القرار الأبوي والإداري المهم بفضل قرار خادم البيتين، أتطلع إلى الالتفات إلى نواب الرئيس السابق ورؤساء هيئات التحقيق الفرعية، فبقاء هؤلاء في مقاعد قيادية يترك شيئا من الإرث السلبي جاثما على أنفاس المؤسسة الشابة التي انتظرناها طويلا، وهي «النيابة العامة» المرتبطة مباشرة بالمقام السامي الكريم. كما أدون رجاء ومناداة بأهمية تغذية النيابة العامة بمحققين ونواب عموم من الشباب المؤهلين والحاصلين على درجات علمية في القانون، فالملاحظ في الهيئة السابقة هو سطوة النزعة التشريعية المبتعدة عن روح القانون وتفهمه لعُمق الظروف الإنسانية ومراعاة المصلحة العامة، وهذا أمر لا مساومة عليه، بل يأتي في صلب تطوير النظام النيابي والقانوني بشكل عام كما هو الحال في الدول المتقدمة.