-A +A
عزيزة المانع
كثيرون الذين يتحدثون عن المراسلين الإعلاميين الذين قتلوا في مناطق القتال أثناء تغطيتهم الأخبار، أو عن أولئك الذين وإن لم يقتلوا إلا أنهم وقعوا في الأسر وتعرضوا للحبس مددا طويلة، لكن قليلا ما نجد أحدا يتحدث عن الحال النفسية التي ينتهي إليها أولئك الإعلاميون بعد عودتهم إلى أوطانهم، من مناطق الحرب والقتال.

يتعرض المراسلون الإعلاميون لصدمات نفسية قوية، بسبب معايشتهم الطويلة للقتال ومشاهدتهم عن قرب ما يقع للناس من مآسٍ وعنف وفاقة وألم، وغالبا يدمرهم ذلك نفسيا، وينتهي بكثير منهم إلى الوقوع في الحزن والاكتئاب والضيق، وقد تصاب قدراتهم الذهنية بالشلل فما يعودون قادرين على ممارسة مهام عملهم المعتاد، فيصيرون يحبون العزلة ويتهربون من مخالطة الناس ويسيطر عليهم وهم الرعب، إلى حد أن يشعروا بالفزع من كل حركة وكل صوت، والخلاصة أنهم يصبحون مدمرين نفسيا عاجزين عن مواصلة حياتهم الطبيعية.


كتاب (صحفيون تحت النار: الأخطار النفسية لتغطية الحرب) لأنتوني فاينشتاين وترجمة فؤاد عبدالمطلب من منشورات جداول. يقدم وصفا مؤلما لما يصاب به المراسلون الحربيون أثناء تغطيتهم أخبار القتال من انهيار نفسي، فالحرب كما يقول: «تفسدك وتحطمك، وتدفعك أقرب وأقرب إلى دمارك كليا، روحيا وعاطفيا وجسديا». والكتاب مملوء بسرد قصص وأخبار ووقائع مؤلمة تعرض لها المراسلون الحربيون أثناء تأدية عملهم.

مؤلف الكتاب طبيب نفسي، لذلك ينصب اهتمامه على الاضطرابات النفسية التي يصاب بها المراسلون الذين يقومون بمهام تغطية الأخبار في مناطق الحروب، فمن خلال دراسة إحصائية قام بها مع زميل له وجدا فرقا في الصحة النفسية بين المراسلين الذين ينقلون أخبار الحرب من مناطق القتال، والصحفيين الذين ينقلون أخبارها من داخل بلادهم، فمن يقومون بتغطية الأخبار من ساحات القتال لمدة طويلة يصيبهم اضطراب إجهاد ما بعد الصدمة بدرجة أكبر من زملائهم الذين يعملون داخل بلادهم.

ويلقي المؤلف باللوم على وكالات الأنباء التي تهمل الاعتناء بمراسليها ولا تعنى بمساعدتهم متى عادوا ممزقين، فتتركهم يعانون أمراضهم النفسية وحيدين بلا أدنى مساعدة منها، إلا أنه في السنوات الأخيرة تنبهت المنظمات الصحفية لهذه المشكلة وأحست بالتقصير القائم في تقديم الدعم النفسي للمراسلين الحربيين في ساحات القتال، فبدأت في تقديم المساعدات النفسية التي يحتاجون إليها كي يتجاوزوا الآثار السيئة التي تركها القتال عالقة في صدورهم.

أعجبني الكتاب ووجدته يستحق القراءة رغم ما يثيره في النفس من ألم وضيق. فالمراسلون الميدانيون، يستحقون الشكر والتقدير لأنه لولا تضحيتهم ما عرف الناس ما يجري في ساحات الحروب من المآسي والآلام.