-A +A
عزيزة المانع
القارئة هيفاء، بعثت برسالة تسأل فيها كيف تصبح كاتبة، تقول في رسالتها: «من منطلق مقالك اليوم (الكتابة فن) اسمحي لي أن أبث لك همي. الكتابة موهبة أحب أن أطورها وأعمل بها. من سنوات أكتب مقالات في صفحة النقاشات ورأي القراء، وأحببت أن أمتهن هذه الوظيفة وأصبح كاتبة، فهل توجهيني أي الأبواب أطرق؟»

يا عزيزتي هيفاء، متى كنت تملكين الموهبة، فالباقي سهل، لأن الموهبة فطرة لا يمكن اكتسابها، أما ما كان غير ذلك فبالإمكان العمل والاجتهاد لاكتسابه والتمكن منه.


لكن الموهبة في كل شيء، في الكتابة والخطابة والشعر والرسم والتصوير والموسيقى أو غير ذلك، في كل مجال هي تحتاج إلى صقل وتدريب واستكمال للأدوات المعينة على الإتقان، ولا يغني الاكتفاء بها وحدها.

لذلك إن أردت امتهان الكتابة، لابد من تنمية المهارات المرتبطة بها، وفي مقدمتها إتقان اللغة، وتوسعة الاطلاع، الاطلاع الواسع مهم لمن يطمح إلى امتهان الكتابة من جانبين؛ من جانب يعينه الاطلاع الواسع على تطوير أسلوب الكتابة لديه، ومن جانب آخر، يزوده بالمعارف التي يحتاج إليها في ثنايا كتابته.

أما ما هو أهم من هذا كله، أن لا يكون الإقبال على الكتابة من أجل الشهرة أو نيل الإعجاب أو الحصول على مهنة، فالكتابة غالبا لا تكون ناجحة إلا متى كانت نابعة من الذات معبرة عنها، تعتمد الأصالة وتنأى عن التقليد، فمن عوامل النجاح أن يتفرد الكاتب بأسلوبه، ولغته، وأفكاره التي يطرحها، وأكثر ما يقتل الكاتب أن يكون تابعا، يقلد ما يكتبه الآخرون، ويكرر ما يقال.

كذلك، كاتب المقالة لابد له أن يفرق بين أسلوب كتابة المقالة الأدبية والمقالة الاجتماعية والمقالة العلمية، فكل مجال له أسلوب يناسبه، وعليه أن يعرف ما يناسب موضوعه من الأساليب، كما أن عليه أن يبتعد في كتابته عن النصح والوعظ أو التعليم، فمثل هذه الأدوار تنفر القارئ وتجعل الكاتب غير مقنع لقارئه وغير جاذب في كتابته، فالقارئ يبحث عن الكاتب الذي يحدثه أو يحاوره أو يسليه، وليس عن الكاتب الذي يتعالى عليه.

بعض من الشباب يرون في الكتابة الصحفية حلما يتطلعون إلى تحقيقه بكل الوسائل، فالكتابة في الصحف بالنسبة لهم تمثل إغراء كبيرا، فهي ترتبط بالشهرة والمكانة وربما بشيء من السلطة، كما أنها أحيانا تجلب مردودا ماليا مغريا، لكنهم يتسرعون في الوصول إلى ذلك قبل أن تكتمل قدراتهم الكتابية، وقبل أن تتبلور موهبتهم الإبداعية، وأغلبهم لا يبذلون جهدا كافيا لتطوير مهاراتهم في الكتابة، وفي الوقت نفسه يتوقعون أن تنشر الصحف ما يكتبون وأن يجدوا من القراء الرضا والتفاعل معهم، حتى وإن بقيت كتابتهم على حالها من عدم الاكتمال والتبلور.

وأسوأ من هذا، أنهم حين لا يتحقق لهم ذلك، لا ينتقدون أنفسهم، ولا يرون جوانب الضعف في كتابتهم للتغلب عليها، وإنما يقنعون أنفسهم أنهم لم يحققوا أحلامهم في الكتابة في الصحف لأنهم لا يملكون واسطة تشق لهم الطريق.