-A +A
طارق فدعق
إن توغلت في أبعاد هذه الكلمة ستجد العديد من العجائب غير المتوقعة، ومنها أن «طراوه» هي جزيرة في آخر الدنيا... وتحديدا فهي مجموعة جزر صغيرة في جمهورية «كيرباتي» التي تقع نواحي أستراليا ونيوزيلندا وسط مجموعات جزر متناثرة. ومساحتها صغيرة فالجزء الصالح للسكنى أصغر من مساحة أرض مطار الرياض.. وعدد سكانها أقل من عشرة في المائة من عدد «بزورة» جدة.. ولكن لهذه الجزيرة قيمة تاريخية إستراتيجية مهمة جدا ظهرت خلال الحرب العالمية الثانية. وتحديدا فبعدما دخلت اليابان الحرب عام 1941 بهجومها على ميناء «بيرل هاربور» فرضت هيمنتها على الشرق بأكمله. اليابان «شمرت أكمامها» فاحتلت أجزاء من الصين، وكوريا، وسنغافورة، وماليزيا، والفلبين. وكان الرد عليها في غاية الصعوبة لأنها محمية طبيعيا فهي جزيرة بعيدة. ومن الجغرافية تتمتع الجزر بحماية عجيبة، فعمليات الإنزال العسكري لأي قوات لاحتلاها في غاية الصعوبة. وكانت إستراتيجية الحرب الأمريكية مع اليابان تتلخص في احتلال مجموعة من الجزر الصغيرة في وسط المحيط الهادئ للوصول إليها من خلال استعمالها كقواعد عسكرية، وبالذات لقاذفات القنابل العملاقة. ولكن كل من تلك الجزر الصغيرة كانت محتلة من اليابان وكانت مجهزة دفاعيا بطرق رهيبة. وكانت إحدى أهم المعارك الدامية التي دارت بين أمريكا واليابان على أراضي «طراوه»... في آخر الدنيا. وكانت الخسائر كبيرة من الجنود الأمريكيين وكان عددهم حوالى ثلاثة عشر ألفا، وقتل منهم ألف. ولكن لو لم تعرف شيئا عن «طراوه» فلا يعني ذلك أنك في الطراوة، فليست كل معارك العالم مهمة. ولكن خلال هذه الأيام توجد ذكرى مهمة لنا جميعا ولا يجب أن نغفلها، بل وكل من يجهلها أو يتجاهلها يدخل نفسه في إطار «الطراوة» الفكرية، وهي ذكرى العبور. ولا يخفى على الجميع أن إحدى أروع المعارك في التاريخ للعالم الإسلامي والعربي كانت في العاشر من رمضان عام 1393 عندما عبر مئة ألف من جنود مصر الشقيقة قناة السويس في عز الظهر ليتحدوا العنجهية الصهيونية. وكان خط «بارليف» من أقوى التحصينات في العالم. وكان ذلك الخط عبارة عن مجموعة منشآت مختبئة تحت سد ترابي بارتفاع يعادل حوالى ستة أدوار يمتد على طول الجانب المحتل من شاطئ قناة السويس. وكان من أقوى التحصينات.. تخيل أنه كان يتكون من 35 حصنا مدفونة تحت الأرض لتتحمل القصف المدفعي الشديد. وكانت تلك الحصون مزودة بآليات القتل والقتال المتقدمة جدا من نافثات لهب مصممة لتشعل سطح الماء، ومدافع رشاشة سريعة الطلقات، وفوقها تلال ترابية عملاقة ومسلحة. ولكن كل هذا لم يقف أمام الحق، وعزائم الرجال الصائمين الذين هاجموا بنداء «الله أكبر» ليستعدوا أراضيهم. بدأ هجومهم الساعة الثانية ظهرا أثناء ساعات الصيام حينما عبرت الموجة الأولى المكونة من أربعة آلاف رجل في 720 قارب مطاط... وتلتها موجات مشابهة، كل منها مكونة من آلاف الرجال ففتحوا الثغرات، وبنوا الجسور ليصل العدد خلال العاشر من رمضان إلى مئة ألف رجل، وألف دبابة وثلاثة عشر وخمسمئة مركبة لتعبر أصعب مانع مائي في العالم، ولتحطم خط «بارليف» الأسطوري خلال 18 ساعة فقط... يخيلوا نداء «الله أكبر» يتردد ملايين المرات من مئة ألف رجل في رمضان المبارك.

أمنيـــة:


توجد إنجازات رائعة تحققت عبر التاريخ بمشيئة الله في هذا الشهر الفضيل. وكلها تحتم علينا أن نحتفي بها اليوم وكل يوم ومن أهمها: غزوة بدر، وفتح مكة، ومعركة القادسية، ومعركة عين جالوت، وفتح الأندلس، وموقعة حطين، وحرب العاشر من رمضان. أتمنى أن ندرك أن من يجهل كل هذا سيقع في فخ «الطراوة» الفكرية في أقوى أدوارها السلبية. والله هو الهادي المنير

وهو من وراء القصد.