-A +A
عزيزة المانع
أعجبني ما قالته الدكتورة لمياء باعشن في مقالها الموجه لوزير الثقافة والإعلام، يوم الخميس 17/‏5/‏25 في جريدة المدينة، والذي تضمن نقدا لاذعا للمثقفين في المملكة، فهي تراهم «لا يملكون تصورا واضحا لما يريدون»، لذلك يظلون يتخبطون في مطالبهم، بسطحية تنم عن فراغ أذهانهم من رؤية واضحة للثقافة وما تحتاج إليه كي تنهض وتزدهر.

حين أقول أعجبني المقال، فذلك يعني أني أتفق مع كثير مما ورد فيه، فهكذا نحن غالبا، نثني على المقال الذي يوافق مضمونه وجهة نظرنا، ونذم المقال الذي يتضمن العكس. وفي هذا المقال وجدتني أوافق الكاتبة في ما مضت إليه من أن المثقفين يتوجهون إلى الوزارة بمطالب تافهة لا تمس صلب التطوير الثقافي، ويتركون القضايا الجوهرية، فلا تنال شيئا من اهتمامهم.


مثلا من القضايا الجديرة بالاهتمام التي تعيق نمو الثقافة وتطورها، تدني كفاءة التعليم في جميع المراحل، فمخرجات التعليم ما بين ببغاوات اعتادوا على التلقين وترديد ما يقال لهم ويطلب منهم، وأدوات تنفيذية مبرمجة على أداء المهن والمهارات التي دربوا على القيام بها. بلا قدرة على التفكير المستقل، أو الابتكار المتحرر من القيود، فنجم عن ذلك ما نجده من شح في أعداد المفكرين والأدباء والفنانين والمخترعين والباحثين، إضافة إلى الضعف الملحوظ في مستوى جودة ما ينتج من الأشكال الثقافية.

والقضية المهمة الأخرى، هي تدني كفاءة الإعلام بجميع أشكاله، فلغة الإعلام منحدرة، وبرامجه تغرق في التفاهة، ومواضيعه ما بين السطحية والنفاق، والتحريض على الشر وتعزيز الخلافات الأيديولوجية والسياسية.

وحين ينشأ الجيل في وسط إعلامي كهذا، لا غرابة إن ظهر لدينا جيل من (المثقفين) الشباب «لا يملكون تصورا واضحا لما يريدون»؟

أضف إلى ما سبق، طغيان الفساد في عالم الثقافة، وكما أن الفساد بات معضلة معيقة في كثير من مؤسسات المجتمع، فإن الثقافة ليست استثناء، هناك انتهاكات الملكية الفكرية والسرقات الأدبية والانتحال والتدليس في تحكيم المؤلفات والأبحاث ومنح الجوائز، وغيرها من أشكال الفساد الثقافي.

إن كنا نتطلع إلى تأسيس ثقافة جديرة بالاحترام تتمثل فيها الأصالة والابتكار، قادرة على الوقوف ندا لثقافات العالم المتقدم، يجب علينا الالتفات إلى بناء القواعد الأساسية التي تقوم عليها ثقافة المجتمعات، كتطوير التعليم والإعلام وتعزيز قيم الاستقلالية في التفكير والحرية في التعبير والكف عن المطالبة بإنزال العقوبة بكل من يختلف معنا في الرأي، فذلك يولد الرعب في القلوب، ومتى استعمر الرعب قلب الإنسان، قضى على كل احتمال بتقديم فكر جديد أو شيء مبتكر.