-A +A
فهيم الحامد (جدة)
FAlhamid@

إذا كانت زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن أخيرا، غيّرت الفكر النمطي لدى الإدارة الجمهورية عن السعودية والإسلام، كما غيّرت قواعد اللعبة ومنظومة الاشتباك في المنطقة، فإن خطاب الرئيس الأمريكي ترمب التاريخي أمام القمة الإسلامية العربية الأمريكية أمس الأول في الرياض حول الإسلام، غيّر بالمقابل الصورة النمطية تماما الموجودة لدى قادة الدول العربية والإسلامية عن شخصية الرئيس، ورؤيته للإسلام. بعدما أكد في خطابه أن الإسلام دين التسامح والوسطية والاعتدال، ولم يذكر فيه مصطلح «الإرهاب الإسلامي» الذي استخدمه طوال حملته الانتخابية.


هذا التحول وصفه المراقبون بـ«النوعي» في الفكر الترمبي، الذي نجح MBS في تغييره من خلال خطابه المباشر والعقلاني والصريح مع قيادات الإدارة الجمهورية في «الاوفال هاوس» عن الإسلام، الدين المتسامح البعيد عن الإرهاب، وعن السعودية البلد الذي تضرر من الإرهاب وعانى منه الأمرين. وأتت ثمار حوار محمد بن سلمان في البيت الأبيض أكلها في قمم «العزم يجمعنا»، التي هندسها بهدوء وحنكة مع الإدارة الأمريكية، عندما فاجأ ترمب بخطابه المعتدل والمتوازن ليس فقط قادة الدول العربية والإسلامية، بل أيضا مراكز البحث الإستراتيجية والـ «ثينك تانك» والإعلام الأمريكي على السواء.

واتفقت هذه المراكز على أن خطابه جاء «أكثر تسامحاً» تجاه الإسلام والمسلمين، خلافاً لتصريحاته إبان حملته الانتخابية، مؤكدين أن ترمب غيّر فكره النمطي عن الدين الإسلامي بسبب العصف الذهني الإيجابي من قبل ولي ولي العهد، والذي انعكس على الفكر الإستراتيجي للإدارة الأمريكية التي اختارت أن تكون «السعودية أولا» في أولى جولاته الخارجية، باعتبارها مهد الرسالات، وهو ما تحدث عنه ترمب أيضا في خطابه.

وقد استخدم ترمب لغة مهادنة متأنية عند الحديث عن الإسلام، وهو ما قوبل بارتياح كبير ليس في الأوساط الخليجية والعربية والإسلامية فحسب، بل حتى في الأوساط الإسلامية في الداخل الأمريكي، الذين تلمسوا وجود تغيير في اللغة الترمبية، ما دفعهم إلى الشعور بالطمأنينة من هذا التغيير في نهج السياسة الأمريكية.

وبحسب مصادر أمريكية، فإن مستشاري ترمب الإستراتيجيين أدركوا ضرورة العودة للحليف الوثيق «السعودية»، واقتنعوا بالرؤية الموضوعية التي طرحها الأمير محمد بن سلمان، وأدركوا أن التصادم لن يحقق نتيجة بل سيزيد الأوضاع تعقيدا في المنطقة والعالم. فيما سيؤدي استخدام اللغة الهادئة والتركيز على مكافحة الإرهاب الظلامي عبر العمل الجماعي إلى نتيجة أسرع، وهو ما تحقق على أرض الواقع في قمم «العزم يجمعنا» خصوصا عندما استشهد ترمب بالمعركة ضد الإرهاب في خطابه، معتبرا أنها حرب بين الخير والشر من مختلف الأديان، ليضع البلاد الإسلامية التي تكافح الإرهاب في محور الخير، والإرهابيين عامة في محور الشر. ووفقا لمصادر موثوقة في البيت الأبيض، فإن مستشاري ترمب وتحديدا كاتب خطابه ستيفن ميلر، أكد على الرئيس الأمريكي عدم تصنيف الإسلام كعدو على الإطلاق باعتبار ذلك لا يتماشى مع الرؤية التسامحية للدين الإسلامي، وطلب منه توجيه لب الخطاب ضد الإرهابيين، وهو ما دفعه إلى تفادي استخدام مصطلح مكافحة الإرهاب الإسلامي المتطرف، واستبداله بجملة أخف حدة وهي «التطرف الإسلامي» وهذا أيضا عكس رؤية الأمير محمد بن سلمان الذي أكد خلال لقائه ترمب «أن الإسلام ليس دين الإرهاب وأن ما يقوم به تنظيم «داعش» ليس له علاقة بالإسلام إطلاقا».

وعليه فإن دعوة ترمب الدول الإسلامية إلى أخذ زمام المبادرة لمكافحة الإرهاب والتطرف، من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة قوبلت باهتمام في الأوساط العربية والإسلامية.

وإذا كانت «قمم العزم» قد انتهت.. فإن أفعال «العزم والحزم» لم تبدأ بعد، لكنها سوف تنطلق قريبا عبر آليات محددة لمصلحة إرساء السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، واجتثاث الإرهاب، وتعرية مموليه ومقدمي الملاذات الآمنة لقاداته.