-A +A
عزيزة المانع
هل تذكرون تلك الحادثة البشعة التي وقعت على طريق الحرمين قبل تسعة أعوام تقريبا، وذهب ضحيتها أربعة أشخاص، وذلك حين قاد سائق فلبيني حافلته في الاتجاه المعاكس، فاصطدمت الحافلة بعدد من المركبات مسببة عددا من الوفيات والأضرار. وحكم على السائق الفلبيني بالقتل تعزيرا.

ولكن يبدو أن القضية لم تنته، رغم مرور تسعة أعوام على تلك الحادثة المفجعة، فقد تمكن محامو المتهم من استصدار حكم من المحكمة العليا بنقض حكم القتل الصادر على المتهم، والحصول على قبول لاستئناف محاكمته من جديد، مستندين إلى وجود وثائق طبية تثبت إصابة موكلهم باختلال في عقله.


فرأت المحكمة إحالته إلى مستشفى شهار في الطائف، لتقييم صحة قواه العقلية، خاصة أنه سبق أن صدرت تقارير طبية تؤكد سلامة عقله.

إن كان السائق سليم القوى العقلية، كما تقول التقارير الطبية السابقة، فهذه كارثة تدل على مدى استهتاره بأنظمة المرور وعدم مبالاته بها، ربما بسبب تعوده على فعل ذلك مرات عدة من قبل، دون أن يجد من يحاسبه فاطمأن واستمرأ فعل المخالفات المرورية مهما كانت خطورتها.

وإن كان مختل العقل فعلا كما يقول محاموه، فهذه طامة أكبر، تحمل وزرها الجهة التي استأجرته ليقود مركباتها، إذ كيف لها أن توظف سائقا مختل القوى العقلية؟

من كان مختلة قواه العقلية، لا يمكن الخطأ في معرفته، فسلوكه العام ينبئ عن حالته، كما أن من المتوقع أن يتكرر منه بكثرة الوقوع في تجاوزات مرورية، وأن يكون له في إدارة المرور سجل حافل بالمخالفات، بما لا يحتمل الجهل به، فكيف سمح لمن هو في مثل حالته، مشكوك في سلامة قواه العقلية، أن يقود حافلة؟

إن أثبتت التقارير الطبية عدم سلامة قواه العقلية، فإن من حق أهل المتوفين ومن تلفت سياراتهم، أن يقاضوا الجهة التي كان يعمل لديها هذا السائق، فهي تعد مسؤولة عن جريمته، وعليها أن تتحمل وزر ما فعل.

هذه الكارثة المفزعة، تلفت الانتباه إلى ضرورة إضافة المرور لاشتراطات مشددة قبل منح رخص القيادة لطالبيها، سواء كانوا أفرادا أو سائقين عموميين أو خاصين، وفي مقدمة ذلك اشتراط الاطلاع على الملف الصحي، أو الحصول على تقرير طبي يؤكد سلامة القوى العقلية، وكذلك فحص الدم للتأكد من عدم الوقوع تحت تأثير المخدرات.

إذا كان المرور يشترط فحص سلامة النظر قبل منح الرخصة، فإن سلامة القوى العقلية لا تقل أهمية عن ذلك.

قد يكون في فرض هذه الاشتراطات شيء من مشقة على طالبي الرخص، لكنها تهون متى قورنت بما قد يقع من حوادث مؤلمة فيما لو منحت الرخصة لمن ليس أهلا لها.