-A +A
عزيزة المانع
شاعران عاشقان، أراد كل منهما أن يتغزل بالحبيبة، فوصف مشيتها وما أعجبه فيها، فكان غزلهما انعكاسا للزاوية التي نظر منها كل منهما إلى حبيبته.

الشاعر الجاهلي الأعشى، تغزل بحبيبته فوصف جمال شعرها ولونها وبريق أسنانها، وكان وصفه لمشيتها وسيلة لوصف قوامها المثقل بالشحم، فمشيتها الوئيدة ليست إلا لفرط ما تحمله من أثقال الشحم:


(كـأن مشيتـهـا مـن بيت جــارتـهـا ** مــر السحــابــة لا ريـث ولا عـجــل)

(غراء فرعاء مصقول عوارضها ** تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل)

الأعشى لم ير في حبيبته سوى أنها، إلى جانب وضاءتها وطول شعرها وبياض عوارضها، تحمل أثقالا من الشحم تجعلها لا تقوى على تحريك قدميها إلا بصعوبة بالغة، كمن تغوص قدماه الحافيتان في الوحل فتلتصقان به فيثقل عليه نقلهما.

أي أن مشية الحبيبة الموصوفة بالتؤدة (لا ريث ولا عجل) لم تكن للوقار ولا للمهابة وإنما كانت لثقل الوزن، الذي كان معيارا جماليا عاليا في عصر الأعشى. كان منظار الأعشى نحو حبيبته منظارا حسيا خالصا.

إبراهيم ناجي، الذي جاء بعد الأعشى بقرون طويلة، أراد هو أيضا التغزل بالحبيبة ومشيتها التي غابت عن عينه طويلا، فقال:

أين من عيني حبيب ساحر ** فيه نبـل، وجــلال وحيـاء

واثق الخطوة، يمشي ملَكا ** ظالم الحسن، شهي الكبرياء

مشرق الطلعـة، في منطقـه ** لغة النور، وتعبيـر السمــاء

إبراهيم ناجي، يتذكر فتاته وهي تمشي أمامه فيرى فيها شيئا مختلفا تماما عما كان الأعشى يراه في حبيبته. ناجي ينظر إلى الحبيبة فيراها ذات نبل، يحوطها الجلال، ويسبقها الحياء، والحياء من كرم الخلق، وهو مختلف عن الخجل النابع من عدم الثقة في النفس.

ينظر إليها ناجي فيراها تنقل خطوتها بثقة، والثقة تعني الاعتزاز بالذات، وتحمل معها إيحاءات بالنجاح وسعة المعرفة وحمل المسؤولية، صفات تجسد ما كان في فتاته من قوة معنوية، وهي إلى جانب ذلك كله، كانت تبدو في عينه في نقاء الملاك وطيبته وسموه، حديثها الضياء والحق.

كم هو بعيد الشبه بين صورتي المرأتين: امرأة الأعشى وامرأة ناجي! شتان ما بين رؤية الأعشى للحبيبة ورؤية ناجي! كم هو بعيد الفارق بين هاتين الرؤيتين!

من خلال هذه الأبيات وأمثالها، تتشكل نظرة المرأة إلى ذاتها، فهي إما أن ترى نفسها دمية جميلة تسحر الأنظار بجمالها، وعليها أن تسخر كل طاقاتها للحفاظ على ما يبقي الأنظار منجذبة إليها، وإما أن ترى نفسها كيانا عاقلا واعيا يعتز بذاته ويحترمها. وشتان ما بين الأمرين!

azman3075@gmail.com