-A +A
عزيزة المانع
من السنن الطيبة التي تسنها منظمات الأمم المتحدة المعنية بالشؤون التربوية والصحية والإنسانية، أنها تخصص يوما في كل عام، تكثف فيه الجهود للاهتمام بشأن من تلك الشؤون، ومن ذلك تخصيصها الثاني من شهر أبريل كل عام ليكون يوما لتوعية الناس وتثقيفهم حول اضطراب التوحد، الذي يقال إنه آخذ في التزايد.

بعض الدول تعمد خلال هذا اليوم إلى إضاءة معالمها المعروفة باللون الأزرق، إشارة إلى هذا الاضطراب الذي يرمز له باللون الأزرق، لكونه يصيب الذكور أكثر من الإناث، تماما كما يرمز باللون الوردي إلى سرطان الثدي.


التوحد اضطراب يصيب الجهاز العصبي فيؤثر على قدرات المصاب التعلمية والتفاعلية والمعرفية، فتجد المصابين به لا يحسنون التواصل الاجتماعي واللفظي مع الآخرين، ويعيشون في عالم منفرد خاص بهم، فهم يشعرون بالرهبة من الأشياء الجديدة ويحتمون منها بالانطواء داخل أنفسهم.

وما زالت أسباب الإصابة بهذا الاضطراب مجهولة، وإن كان هناك بعض الشك في أنها بسبب تناول الأم أدوية معينة خلال الحمل.

وفي المملكة ما زلنا لا نملك إحصائيات موثقة عن عدد المصابين بالتوحد، ولكن التقديرات العالمية للاصابة بهذا الاضطراب تشير إلى وجود مصاب لكل 88 طفلا، وهي نسبة كبيرة تدل على سعة انتشار التوحد بين الأطفال.

ولو طبقنا نسبة 1/‏88 على سكان المملكة لبلغ تقدير المصابين بالتوحد خمسمئة ألف مصاب أو أكثر.

ورغم أن هذا العدد كبير، إلا أنه مع الأسف، إلى الآن لا توجد لهم خدمات تربوية وصحية ملائمة، وما زال أمر رعايتهم مقتصرا على ما تقوم به بعض الجمعيات الخيرية من جهود في توعية الأهل وإرشادهم نحو كيفية التعامل الصحيح مع الطفل التوحدي.

عدم توافر الخدمات التربوية والصحية الجيدة للتوحديين يزيد في معاناة أسرهم، وتصبح معاناتهم الأصعب عدم توافر ظروف بيئية مناسبة لرعاية أطفالهم.

في الواقع إن عدم توافر خدمات جيدة لرعاية التوحديين لا يقتصر على المملكة، وإنما البلاد العربية كلها تكاد تفتقر إلى وجود مراكز مؤهلة تأهيلا علميا عاليا لرعاية المصابين. إضافة إلى أنه لا يوجد مستوى وعي جيد لدى الناس في كيفية التعامل مع حالات التوحد.

إلى جانب هذا، هناك مشكلة أخرى، وهي أنه حتى الخدمات البسيطة المتاحة للتوحديين، هي في أغلبها موجهة للأطفال، لكن التوحديين ليسوا كلهم أطفالا، هناك شباب يحتاجون إلى من يأخذ بيدهم ويعينهم على الاندماج في المجتمع ويمكنهم من التحول من مستهلكين سلبيين الى منتجين إيجابيين. خاصة أن المصابين بالتوحد، يتمتعون بسمات فطرية تمكنهم من الإسهام في الحياة الاجتماعية بصورة إيجابية، فهم يتصفون بقوة الذاكرة وبعضهم موهوبون في الرسم والحرف، لكنهم يحتاجون إلى الرعاية والدعم والمساندة.

فأين المستثمرون؟ لم لا يستثمرون أموالهم في تأسيس مراكز عالية التأهيل لرعاية التوحديين صحيا وتربويا؟ قد لا يكون لذلك مردود مادي يسيل لعاب المستثمر، لكن له مردود وطني وإنساني بالغ الثراء. فضلا عن أنه يمكن دعم تمويل تلك المراكز من التبرعات ومن وزارة التعليم، فهل من مستثمر؟

azman3075@gmail.com