-A +A
هاني الظاهري
هل يحتاج السعودي العاجز عن إيجاد دخل يوفر له حياة كريمة إلى وظيفة أم «مصدر دخل»؟ وهل الوظيفة المتواضعة هي الحل الوحيد لتحسين حياة المواطن أم مجرد وسيلة مثلها مثل غيرها لتوفير الدخل؟ ولماذا أصبحت الوظيفة هدفاً لكل خططنا بدلا من كونها مجرد وسيلة لتوفير دخل، وهناك وسائل أخرى أفضل منها للمواطن والاقتصاد الوطني؟!

هذه الأسئلة يجب أن نطرحها على أنفسنا بعد مرور أكثر من ربع قرن على خطط السعودة التي أثبتت فشلها وتحولت إلى مشكلة بحد ذاتها، فالعقلية البيروقراطية الكسولة التي وضعت الاستراتيجيات القديمة تعتقد أن حل مشكلة ضعف الدخل والبطالة شيء سحري اسمه «الوظيفة»، مهما كانت هذه الوظيفة متواضعة وغير مقبولة اجتماعيا، وبدلاً من أن تعمل على إيجاد وسائل أخرى لتوفير دخل للعاطلين كأن تحولهم إلى «تجار وأصحاب عمل» ذهبت إلى محاولة تعديل الثقافة الاجتماعية وإقناع المواطنين بالتحول إلى عمال في محال الخضراوات وحراس أمن لأنها لاتستطيع أن ترى شيئا غير حلها السحري الحالم «الوظيفة».


هذا التدخل المتهور في السوق وبهذه العقلية البيروقراطية لم يحل مشكلة ضعف دخل المواطن المحتاج، وتسبب في إرباك أصحاب العمل وحول الأسواق السعودية من أسواق حيوية جاذبة لرؤوس الأموال إلى بيئة طاردة للاستثمار، وقد حان الوقت للتوقف عن هذا اللت والعجن وترك الأسواق تدير نفسها، والعمل على تمكين المواطن لأن يكون عضوا فيها وبنفس قوانينها بمرتبة «صاحب عمل»، حينها فقط يمكننا القول إننا نعالج مشكلة البطالة.

في دول خليجية مجاورة تنعم باقتصاد قوي وأسواق حيوية جاذبة لرؤوس الأموال من كل بقاع العالم تقتصر مسألة «توطين الوظائف» على الدوائر الحكومية أو «وظائف الدولة» فقط، بينما يجد المواطن الفرصة السهلة لأن يكون صاحب عمل ورجل أعمال اعتمادا على امتيازات تمنحها له «مواطنته»، وهي امتيازات تمكنه من الحصول على دخل عال وبناء حياة كريمة ومرفهة له ولأسرته، منها على سبيل المثال لا الحصر، التسهيلات الإجرائية والتمويلية لتأسيس أي مشروع نافع، والدعم اللوجستي بمنحه امتياز استقدام العمالة دون تعقيد، بل إن ما نسميه اليوم في السعودية «مشكلة التستر» هو في الواقع حل اقتصادي لتوفير دخل للمواطن في تلك الدول، يسمى «الشراكة»، لأن العقليات التي تدير سوق العمل هناك ليست مهووسة بشيء اسمه «التوظيف» وإنما بتمكين المواطن من إيجاد دخل يجعل حياته أفضل.

لو سألت أي شخص اليوم عن الأسباب التي تجعلنا نحارب «التستر التجاري» بدلاً من وضع قوانين له ليصبح مشروعاً ومصدر دخل لمئات الآلاف من المواطنين، سيقول لأن الأموال تخرج خارج البلاد جراء هذه الظاهرة، ولو سألته لماذا لا يصرف الأجنبي أمواله هنا ويضطر لإرسالها لبلاده، فلن يجد جوابا، مع أن الجواب واضح وبسيط وهو عدم شعوره بالاستقرار في بلادنا نتيجة الإجراءات الطاردة والمعقدة، وهذا ما يجب أن نعالجه لحل مشكلة خروج الأموال وليس ضرب الأسواق والتعلق بقشة «السعودة» التي قصمت ظهر اقتصادنا بدلاً من إصلاحه.

news-sa.com@