-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
قبل أقل من عقدين، كانت محدودية المقاعد الجامعية المعضلة الأكبر في أزمة التعليم العالي، وتتقاسمها التخصصات العلمية مع النظرية لخريجي وخريجات الثانوية العامة، أما سوق العمل فكان في واد آخر مع العمالة الوافدة ولعقود طويلة، واليوم تغير الحال بمضاعفة عدد الجامعات الحكومية أضعافا، والجامعات والكليات الأهلية التي ركزت استثماراتها على تخصصات عملية وتتنافس على الجودة، كما تغيرت ثقافة كثير من الخريجين بالإقبال على القطاع الخاص.

رغم ذلك لا تزال الفجوة قائمة وستستمر بين التعليم المثقل بالتحديات وبين سوق العمل المتغير، نظرا للتشابك الشديد بينهما في التطور وتأثير كل منهما في الآخر، خاصة في عصر السباق العلمي والعولمة المعرفية والتقنية ولابتكارات يتكامل فيها دور الجامعات ومراكز الأبحاث مع القطاع الخاص في الدول المتقدمة علميا وصناعيا، وهذا ما تسعى إليه المملكة عبر برنامج التحول الوطني ورؤية 2030.


المسؤولية مشتركة تجاه تحديات جودة التعليم وتوافقه مع سوق العمل، وقبل أيام وقّعت وزارة التعليم ممثلة بالمركز الوطني لتطوير تعليم العلوم التقنية والهندسة والرياضيات، ثلاث اتفاقيات مع القطاع الخاص لتطوير المراكز العلمية المملوكة للوزارة، لإعداد جيل تنافسي علمي يحقق الاقتصاد المعرفي ويدعم برامج التثقيف والتوعية والحاضنات العلمية للطلاب والطالبات من خلال المراكز العلمية.

المهم خطوات طموحة للأمام في جودة التعليم وتجاوب سوق العمل عبر شراكة حقيقية في اتجاهين، ولا يكون القطاعان الحكومي والخاص مجرد وعاء لتوظيف الخريجين والخريجات، إنما أبعد من ذلك بالإسهام والتفاعل في التخطيط للتعليم وتأهيل مخرجاته بالتدريب ودعم الأبحاث والابتكارات، وتطوير ثقافة المجتمع، بأن سوق العمل والنجاح فيه يبدأ بالعلم ولا ينتهي بشهادة تخرج إنما بالشراكة في كافة المراحل.

الأسرة التي تحرص على قيمة العلم لا يجب أن تغفل قيم الإخلاص والالتزام في التنشئة، وعندها تقدم للمجتمع ولسوق العمل كفاءة إيجابية وفاعلة، وكذا التعليم العام والعالي الذي لا يتهاون في هذين المسارين دون تقصير من كوادر التدريس ولا من الطلاب والطالبات، مع تعظيم قيمة العلم والتفكير البحثي وقيم الالتزام، وفي هذا ضمانة لبناء أجيال ينتظرها الوطن ويرحب بها القطاع الخاص، الذي هو مطالب أيضا بالتفاعل مع التعليم ورعاية المتميزين وأفكارهم التطويرية والمواهب وابتكاراتها.

الكلام عن سوق العمل يأخذنا إلى خريطته الحالية حيث برامج وخطط التدريب والتوظيف وتوطين مهن قطاعات عدة، لكن أتصور أن التوازن ليس فقط بتصحيح الخلل الحاصل مع نسبة العمالة الوافدة، إنما في زوايا أكثر إلحاحا كواقع الخريجات، حيث نسبة البطالة أعلى وظروف العمل تحتاج إلى تنظيم وتحفيز بالتعاون مع القطاع الخاص.

مثلا توجد أنشطة أوسع يمكن تأنيثها وتشجيع استثماراتها، وأظنها تمثل تحديات المرحلة الحالية، ومن ذلك إمكانية توسيع خطط توظيف المرأة بما يضمن مصالح الأطراف من خلال استقطاب الكوادر النسائية المتخصصة، أو تدريب قصير لغير المؤهلات، وتقديم مزايا محفزة كعدد ساعات أقل ليلا وتوفير مواصلات، مقابل راتب يبدأ مثلا من أربعة آلاف ريال وأكثر للعنصر النسائي، بخلاف الشباب الذين قد لا يناسب الكثيرين منهم هذا الدخل.

وفي مواسم الذروة كالصيف السياحي مثلا وإجازته الطويلة يمكن الاستعانة بخريجي الثانوية وغيرهم في تلك الأنشطة لعدة أشهر ليستفيدوا بالتجربة والدخل وأيضا صاحب العمل بكوادر موسمية، والأفكار مثيرة في ذلك، المهم هو استثمار وخلق فرص العمل ومرونة القطاع الخاص والشباب معا.