-A +A
أسعد عبدالكريم الفريح
نرى ونسمع أن هناك مبادرات لمساعدة عمال النظافة بجمع الطعام لهم، وبعض الملابس، وربما ببعض المال إذا لزم الأمر، وتابعنا تعويض عامل النظافة الذي نظر إلى المجوهرات متحسرا، فتبرع له أحد المواطنين بهدية معينة والمواقف تترى في هذا الموضوع، الصورة العامة لعمال النظافة أنهم ينظفون شوارعنا ويجمعون النفايات التي نرميها من سياراتنا أو من بيوتنا كيفما اتفق، لا نراعي في ذلك لا الذوق العام ولا النظام ولا العيب وبعض الناس عندما تعتب عليهم لفعل ذلك، يرد بالفم المليان والعقل الفاضي: ياخويا شفقان عليهم، هم جايين ليه عشان يناموا أو ينظفوا، إيش رأيك نأخذ المكنسة ونكنس عنهم هذا والله اللي باقي! الله يرحم زمان أول عندما كان السعودي يقوم بكل شيء من أعمال البلد، وأشياء قد تكون أقسى من الكنس، ولكن كان كلٌّ ينظر إليه بعين التقدير، إنما الحقيقة وفِي الوقت الحاضر عشان تبث ثقافة الذوق والنظام واحترام العمل والعاملين تحتاج لجهد كبير، وخصوصا إذا كان الجهد مجرد القيام ببعض المحاولات الخجولة لذلك، عموما هذا الحال ينطبق على أمثلة كثيرة، الحاصل نحن الآن نتحدث عن هذا البائس المسكين الذي أجبرته ظروف المعيشة الضنكة في بلده، ليأتي إلينا لينظف وساخة شوارعنا وبقايا بيوتنا، هذا الإنسان الضعيف تعطف عليه بعض الأيادي، وهو يقف مجبورا مقهورا، وينظر إليك نظرة استعطاف فيها الكثير من الانكسار لكي تعطيه ما تجود به نفسك، وكما قلت قامت مبادرات لمساعدتهم في المأكل أو بعض المال وغيره وهذه جهود فردية أو جماعية مشكورة ولكن ليس هذا هو الحل. من الذي سبب لهؤلاء هذه الحاجة وجعلهم يمتهنون الشحاذة ويكسرون رجولتهم لأجل ريال أو ريالين؟. السبب هو الشركات التي تتعاقد معهم بأبخس الأسعار مع تعهد بإطعامهم والعناية بهم، وعندما يصلون لا يجدون إلا العيش المر والكرامة المهدرة والسكن الموبوء المزدحم هذا إن وجد، نعم هو كناس في أدنى السلم الوظيفي ولكن يظل إنسانا مثلنا، تعطيهم الشركات كما سمعت راتبا ضئيلا تراوح بين الستمئة والسبعمئة ريال وربما أقل.

الشغالة في البيت والتي هي أصلا ليست مسؤولة عن رعاية أسرتها إلى حد كبير تستلم حوالى ألف وخمسمئة ريال وهي لا تعمل في الشارع بكل ظروفه، وضامنة السكن والمأكل والرعاية الطبية، وبالتالي ماذا يفعل هذا الإنسان بهذا المبلغ «يا حسرة» هل يشتري به صابونا ليغسل وجهه أم مسحوق صابون ليغسل ملابسه، أو سندويتشا هذا إذا هزه الشوق والنفس الأمارة بالسوء ليرفه عن نفسه «ويبعزق» شويه، وربما يتبقى منها البعض القليل يرسله لأهله، لا يكفي للم جروحه وحفظ ما تيسر من كرامته المهدرة على بلاط العقود غير المنطقية والظالمة في حق هذه الفئة، إذا أردتم أن تختفي ظاهرة تسولهم ومناظر البؤس والحاجة في كل شارع وسكة «لأن اللي فينا مكفينا».


راجعوا عقود الشركات واحسبوها صح هل يستطيع مخلوق يطلق عليه بني آدم أن يعيش بهذا المرتب، أنا فهمت أن بعضهم يطلب من أهله في بلده مساعدته بعد أن اكتشف الفخ الذي وقع فيه، يعني «جبتك يا عبدالمعين تعينني لقيتك يا عبدالمعين تنعان» والله المستعان على كل من تسبب في هذه المأساة التي ربما ظن الكثير أنها من مسلسلات رمضان، وليست من الواقع فأحب أن يتفرج ويسلي صيامه، أيتها الشركات ومن ولاها هذه المهمات ورضي عن هذا الوضع. ارحموا ذليل قوم زاد ذلا. أيها البشر ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.