-A +A
عيسى الحليان
كان الدكتور فيصل البشير، وهو واحد من جيل الرواد الذين تركوا بصمة في بدايات التنمية الحديثة مطلع السبعينات، من أوائل الباحثين السعوديين الذين تطرقوا لطوفان الاستهلاك السعودي في وقت مبكر، إذ أشار وقتها إلى أن المرء يستطيع أن يتوقع كل هذا الميل الحدي للاستهلاك للمجتمع السعودي، لثلاثة أسباب أساسية، هي: اعتماد البلد على المستوردات، إذ تظهر كل عام سلع جديدة وجذابة، وهو ما يحفز على مزيد من الإنفاق الاستهلاكي، والثاني أن الفرد الأمي أو غير المتعلم، الذي وجد نفسه فجأة ثرياً على حين غرة، سيكون شغوفاً بإنفاق نسبة دخله على الاستهلاك أكثر من المتعلم الذي يكون مدركاً لأغراض الادخار، الأمر الثالث أن مسألة إشباع حاجات الاستهلاك، وإن تحققت، مسألة اجتماعية تحتاج لوقت أطول حتى تتجسد على أرض الواقع، وهذه العوامل التي وصفها بأنها عوامل نفسية واجتماعية متداخلة جعلت من الميل الحدي للاستهلاك المرتفع فرضية جذابة وأمرا محتملا للغاية.

ورغم أن هذا البحث تم إجراؤه في منتصف السبعينات الميلادية، وجاء ضمن رسالة الدكتوراه المقدمة إلى جامعة «إنديانا» وهو ما يفترض معه أن تكون مثل هذه العوامل قد تغيرت وتبدلت تبعا لتبدل الظروف والمتغيرات الاجتماعية وزيادة جرعات التعليم والإشباع النفسي، إلاّ أن الميل الحدي للاستهلاك قد ازداد على ما هو عليه ولم ينقص للأسف، وفقا لقاعدة هذه الأسباب، بل زادت معه شهية الاقتراض من البنوك ليشكل في السنوات الأخيرة سابقة لا مثيل لها في تاريخ المجتمع السعودي، إذ جعل نسبة من رواتبهم ومدخراتهم مرهونة للبنوك بشكل غير مسبوق..


ولعل انتقال ثقافة الاستهلاك للجيل الجديد، وهي التي تعني عملية الشراء الذي يتجاوز درجة الإشباع للحاجات الضرورية للعيش، إلى إشباع الحاجات غير الضرورية (النفسية والاجتماعية)، يعطينا تفسيرا لعملية إغراق أسواقنا بهذا الكم من السلع الثانوية المستوردة التي تعج بها متاجرنا، ومدى نمو العقلية الاستهلاكية النهمة التي جعلت من سوق إعلاناتها فقط، سوقا توازي ميزانيات دول من الحجم الصغير.

Alholyan@hotmail.com