-A +A
عيسى الحليان
قبل بضع سنوات فوجئ العالم بالدعوة التي وجهها رجل الأعمال الشهير «بيل جيتس» لـ 10 من أكبر أثرياء أمريكا على طاولة عشائه، ولم تكن هذه الدعوة بمناسبة حفل زفاف أسطوري لابنته، أو افتتاح قصره الجديد، وإنما للتبرع بنصف ثرواتهم على الأقل، والتي أعد من خلالها قائمة أخرى شملت 400 بليونير لدعوتهم للتبرع بجزء من هذه الثروة لصالح المنظمات والجمعيات وبرامج التنمية الإنسانية حول العالم أجمع.

ولعل من أجمل التعليقات التي طرحت آنذاك مقولة «بافيت» الشهيرة أنه إذا كنت ضمن نسبة الـ 1% المحظوظين بين أقرانك من البشر، فإنه لزام عليك أن تفكر في نسبة الـ99% الأخرى، وهي ثقافة تفوق في قيمتها ودرجة مسؤوليتها الاجتماعية قيمة المال نفسه رغم قيمته المليارية، وخصوصاً عندما تتطابق المواعظ الاجتماعية مع الأفعال والتضحيات في بعض المجتمعات في نموذج متفرد، وهذا ما حصل مع هذا الرجل الأسطوري الذي جمع ماله وثروته بعرق جبينه لكنه تبرع بـ99% من ثروته خلال حياته!


والحقيقة أن ليس ثمة فارق كبير لدى رموز المال والأعمال في مختلف المجتمعات في طريقة جمع المال وتوليد الثروة وأصل الغنى فقط، ولكن في طريقة التعاطي مع هذه الثروة وفي فلسفة إنفاقها وهو أمر طبيعي في أن يتطابق طرفا هذه المعادلة عطفا على الفارق الثقافي والحضاري التراكمي الذي يمكن أن يجعل من هذا الإنسان في مجتمع ما مفاخراً بأن مصروفه اليومي مليون ريال يومياً، والآخر في مجتمع آخر يسكن في شقة اشتراها في الخمسينات لا تتجاوز قيمتها 10% من المصروف اليومي المذكور (31.5 ألف دولار)

مثل هذا الفكر الاجتماعي الذي تولد وتراكم في أوساط هذه الطبقة رفع نسبة الإنفاق الاجتماعي من 2.6% من الناتج المحلي إلى 11% وبالتالي لم يكن من المستغرب أن يكون «تشاك فيني» هو المثل الأعلى لـ«بافيت» وهو الذي تعهد بإنفاق 99% من ثروته فيما كان أستاذه «فيني» يسبقه في التنازل عن كامل ثروته ولكن سرا، هؤلاء لم يكتفوا بأن تكون مصادر ثروتهم نظيفة ولم يسلبوا شيئاً من أوطانهم، وإنما قاموا برفع قيمة هذه الثروات التي يتم تدويرها في القطاع الصحي والتعليمي والاجتماعي إلى أرقام مذهلة لدرجة أن نصيب إحدى الجامعات تجاوز حاجز الـ مليار دولار.

Alholyan@hotmail.com