عدنان إبراهيم
عدنان إبراهيم
غادة المطيري
غادة المطيري
علي العميم
علي العميم
عبدالله الغذامي
عبدالله الغذامي
علي مكّي
علي مكّي
-A +A
يعدّها: علي مكّي
ali_makki2@

لهذا الحوار قصة، بدأت برفض ضيفنا الدكتور عدنان إبراهيم أسئلتنا الأولى التي كان مجملها حول الانتقادات والملاحظات التي نشرتها هذه الصحيفة للكاتب علي العميم عبر ثماني حلقات في فترة سابقة.


صاحب برنامج «صحوة» الذي يبدأ تصويره الأسبوع المقبل استعداداً لبث حلقات الجزء الثاني في رمضان، أكد أنه كان قد قرأ بعضا من حلقة العميم الأولى «فلم أرَ نقداً يستأهل الرد، بل وقفت على ما يحسنه كثيرون غيره من السباب والبذاء ومحاولة إيهام القراء أو المشاهدين أن القائل شيء عظيم لكن بانتقاص الآخرين بطريقة فجة مكشوفة إن دلت على شيء فإنما تدل على اعتلال نفسي وأخلاقي لا أكثر»، وقال الدكتور إبراهيم في أسباب رفضه الرد على طروحات العميم إن مقالات الأخير «لم تثر أي حراك فكري حقيقي وماتت في مكانها وعلى عادتي قابلتها كما قابلت الكثير غيرها بالتجاهل التام وهذا ما سأفعله أيضاً هذه المرة» وأشار إلى أن كل ما يحسنه العميم - لمن تتبع مقالاته على الأقل المنشورة في «عكاظ»- هو التطاول على الآخرين واستصغارهم ظناً منه أنه سيبدو كبيراً في نظر الناس. ولأن الدكتورعدنان إبراهيم ضيف مثير للجدل كان لا بد أن نقدر رأيه ونحترم رغبته بعدم الرد، وجادلته «عكاظ» حول طروحاته الملغومة بقضايا شائكة وخطيرة، فكان الحوار التالي:

• لماذا لا تردّ على منتقديك؟ هل هو تجاهلٌ أم ترفع؟ ولماذا يغيبُ الحوار الثقافي العقلاني، أي حوار الأفكار لا الأشخاص، عن ساحتنا الفكرية؟

•• جميل أن يترسخ هذا الانطباع عني، أني لا أردّ على منتقديّ، الذين هم في غالبهم -إن توخينا الدقة في التعبيرـ شتامون أفاكون، يشهد بهذا عليهم كلامهم ومهاتراتهم.

أما لماذا لا أرد عليهم فديني كما احترامي لنفسي يأبيان عليّ أن أقابل سفها بسفه، وإسفافا بإسفاف، وإلا عدت مثلهم لا فضل لي في ذا عليهم، لكن أغض وأعرض، مؤمنا بقوة التجاهل، ومعولاً على إنصاف ذوي الحجا ممن يسمعني ويسمعهم.

ولو قد تيسر من يحاجج بعلم يزينه أدب وإنصاف لاستجبت له ولاستبشرت به، ولجسّدنا للناس أنموذجا معجبا لأدب الحوار ومنهج الجدال بالتي هي أحسن.

ولا يخفاك عزيزي أننا بتنا نعيش في الآونة الأخيرة أزمة أخلاقية مقلقة حدَّ الإحباط، على شتى المستويات، فما عسى يبقى للناس من عزاء أو أمل إن رأوا أهل الدين وقد أمعنوا في الفري والبذاء والتكاذب والتحاقر؟

وفي ظني أن غيبة الحوار الراقي عن ساحتنا التي تضج بحوارات الطرشان إنما يؤشر إلى أزمة أخلاقية ونفسية بقدر ما يشير إلى أزمة فكرية ومعرفية، واجتماع الأمرين يوشك أن يأتي على مصداقية العلماء والمفكرين لدينا إلا من رحم ربي.

• هناك جزء من تاريخك الشخصي غير معروف أو أنك تغيبه متعمداً حتى أن تجربتك مع الصحوة في غزة التي طلب منك جمال خاشقجي أن تسرد شيئاً منها ولم تجب إلا شيئاً بسيطاً؟ ماذا كنت يا دكتور عدنان؟ وكيف تحولت؟ وهل ثمة تحولات مقبلة؟

•• لم أقصد أن أُغيّب جزءاً من تاريخي، فليس ثمة ما أستحيي منه بفضل الله، لكن ضيق الوقت الذي يحكم البرنامج حكم بدوره عليّ.

خلاصة الأمر أنني اتصلت بجماعة الإخوان طفلا صغيرا في نحو العاشرة، ولم تطل تلك التجربة، إذ انتهت مبكرا في نحو العشرين. وأُجمل هنا أسباب ذلك الانفصال المبكر في سببين رجّحا لدي آنذاك خيار الانفصال. الأول: ما لمستُه منهم من ضيق أفق فكري، رابني وأزعجني، فمنذ البداية حاولوا ممارسة وصاية فكرية عليّ تتمثل في تحديد ما يسمح به أو يمنع من قراءته، وبالتالي قوله والإعلان به. الأمر الذي لم يوافق نفسية طلعة جُبلت على عشق المعرفة والتطلع إلى تقليب كل الأحجار وفتح كل الأبواب. والثاني: لما كان للناحية الروحية والأخلاقية أولوية مطلقة لديّ، فقد وقع هنا انكسار تعذّر جبره، فتجارب كثيرة في تلك السنين العشر عززت لديّ اليقين أن القوم ينقصهم الكثير في هذا الباب، وأن ترتيب الأولويات بيننا متخالف متعاكس. وهكذا لم يبقَ أمامي ما يغريني بالاستمرار بحسب تكويني قابلياتي. وبعد زهاء 30 سنة ما أزال أرى الخير فيما فعلت. ومهما صحت النية وضح السبيل.

وفيما يتعلق بالتحولات المقبلة فالجواب يتوقف على المقصود بالسؤال، فلست مؤدلجا ولا مسيسا ولا منظما، لأحدث تحولا لهذه الجهات، لست إلا طالب حق وناشد علم، فإن يكن تحول ففي إصابة حق غاب عني أصير به أسعد وأغنى، أو نيل صواب أُصلح به خطأً وقعت فيه وأسدُّ به خللَ جهلٍ شانني.

أحترم الإمارات

• خروجك الأخير من الإمارات أشار البعض إلى أسبابه بأنها شبهات إخوانية.. ما حقيقة ذلك؟ وإلى أي مدى يشكل الإخوان المسلمون خطراً على الدولة والمجتمع؟

•• بخصوص خروجي من الإمارات لم يصدر إلى الساعة تصريح من جهة مسؤولة يُعرَبُ فيه عن سبب ذلك. وقد كنت إبّانه علقتُ بأن من حق الإمارات كما كل دولة أن تسمح لمن تشاء وأن تمنع من تشاء من دخول أراضيها، وأنا أحترم هذا الحق وأتفهمه تماما. وما أزال أرجو للإمارات الحبيبة كما لسائر بلادنا الخير كله وأدعو ربي بذلك وأن يجنبهم السوء والضر.

وبخصوص الشق الثاني من السؤال فقد بتُّ موقنا بأن التنظيمات الدينية المسيسة أيا تكن تشكل خطرا مزدوجا على الدين كما على الدولة، وذلك لجملة أسباب لها جدارتها، والمجال هنا لا يتسع لعرضها، لكن يغني عنها لمن فطن ما نراه في أيامنا السود هذه من كوارث ومحن توشك أن تأتي على بنياننا كله من القواعد.

• حسابك في «تويتر» مخصص لنشر خطب الجمعة ومقابلاتك الإعلامية، ويغيب رأيك تجاه الأحداث والقضايا.. لماذا؟ هل ضيق المساحة هو السبب؟ وكيف ترى هذا الطائر الأزرق من حيث طروحاته وتأثيره؟

•• قد تعجب عزيزي إذا علمت أني لم أدخل مرة واحدة على حسابي هذا، ولم أغرد إلى الآن تغريدة واحدة، وكذلك أفعل مع حسابي الرسمي على الفيس بوك، ومع إدراكي لتقصيري في هذا الجانب، إلا أني لم أفلح إلى الآن في اقتطاع جزء من الوقت المخصص معظمه للقراءة وأقله ـ أخيرا ـ للكتابة لأؤدي به بعض حق وسائل التواصل الاجتماعي هذه، وما ذاك إلا أنني ما أزال ذلك التلميذ السؤول الشغوف حدّ الوله إن لم يكن الجنون بالعلم والفكر في غير ميدان ومجال.

وكوني لا ألاحق الأحداث السياسية بالتعليق فقد أخذت على نفسي قبل زهاء سنتين عهدا أحسب أني وفيت به إلى حد بعيد: تطليق الكلام في السياسة طلاقا بائنا لا رجعة فيه، والاقتصار على قضايا العلم والفكر وما يمت إليها، وأفصحت حينها عن أسبابي ومبرراتي. وقد أتت النتائج حتى الساعة شاهداً على صواب قراري ذاك.

ويبقى الطائر الأزرق وسيلة فعالة جدا للتواصل مع جماهير غفيرة من الناس، لكن ما هو أهم: ما الذي يقال، وأيّ غاية يخدم؟

غياب الرؤية

• لك خطب أو طروحات حول الإلحاد.. ترى لماذا الإلحاد يتزايد؟ والسؤال الأهم هل هؤلاء الشباب لهم قناعات مؤسسة، وإيديولوجيات عميقة يرفدها فكر مادي وجدلي راسخ؟ أم أن الحالة لا تتعدى كونها هروبا مجانيا، ونوعا من أنواع الارتداد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وبالتالي فهي شكل من أشكال التطرف لا أقل ولا أكثر؟

•• تزايد الإلحاد في بلاد المسلمين ناجم عن جملة أسباب، يتصدرها السبب النفسي، بمعنى أن الإلحاد هنا عبارة عن صيحة غضب واعتراض على الأوضاع التي لا تسرّ الخاطر، فالمسلم في بلاده ـ إلا ما ندر ـ يعاني صنوفا من المرائر والعذابات، ومعظم الدول المسلمة دول فاشلة، يعيش فيها المرء ويقضي، وبالكاد يشعر بآدميته. وخلف هذه الأوضاع مزيج بغيض من السياسي والديني اللذين تحالفا لتبريرها واستدامتها.

لدينا أيضا الانفتاح الطوفاني على الآخر، علميا وفكريا، الانفتاح الذي لم نتحسب له ولم نبادره مبكرا ببناء السدود. وهكذا وجد الشباب أنفسهم فجأة إزاء طروحات وكتابات ومناظرات لفطاحلة وسدنة الإلحاد الغربيين، في مقابل طروحات دينية مغرقة في الوعظية والتقليدية وبمستوى بالغ السطحية والسذاجة، فكانت النتيجة ما تراه وأراه من تسلل الألوف إثر الألوف من أبنائنا وبناتنا من دينهم لائذين بالإلحاد.

أما أن هؤلاء الشباب في العموم يصدرون عن فكر ودرس عميقين يهديان إلى الإلحاد فبالتأكيد لا، ويعرف ذلك من تابع تساؤلاتهم واعتراضاتهم التي لا تشي بشيء يعتدُّ به من ذلك.

• عبرت عن خيبة ظنك بعدد المتابعات والمشاهدات التي تتحدث عن إنجازات العالمة السعودية غادة المطيري، وقلت: «بعض التعليقات تتحدث من قبيل: تبّا لعلمها.. تبّا لاختراعاتها. أين نقابها؟ أين حجابها؟»، ثم تابعت قائلًا: «ها نحن اليوم أرسلنا غادة المطيري وأفادت العالم أجمع.. لو أنك لست عربية أو تنتمين لدولة أخرى لكان العالم أجمع سمع بك وباكتشافاتك».. هل تقصد أن الغرب كان عنصرياً هنا؟ في رأيك من المسؤول عن محدودية المتابعة لإنجازات عظيمة تفيد البشرية كهذه؟

•• الدكتورة غادة وعشرات أمثالها من أبنائنا وبناتنا الذين نفخر بهم ونعتز، رغم كل التكريم الذي نالوه والحفاوة التي قابلهم بها الغرب لو كانوا غربيين أصليين لضوعف اعتبارهم وإكرامهم، وليس في هذا سر يذاع، ولا لغز يحل. لكن الإنصاف يقتضينا هنا أن نقول: دعنا من بقية ما لدى الغربيين من عنصرية وحدثني عن عنصرية العرب والمسلمين إزاء بعضهم البعض، ثم هلم فحدثني عن اهتمام بلادنا بالنوابغ من أبنائها وبناتها، وقبل ذلك حدثني عن المدى الذي بلغته بلادنا في توطين العلم والتكنولوجيا وتحديث الدولة ومؤسساتها لنلحق بركب القوم أو لنبلغ بعض شأوهم!

ومحدودية المتابعات لأعمال الدكتورة المطيري وأمثالها إنما تعكس غياب الرؤية لدينا والخطة، فأولوياتنا معكوسة تماما، ولن يستفيد من اتجاه الريح ربان لم يحدد وجهته، وإلا فبالله أمة ما ينقصها أكثر بمراحل مما لديها في باب العلم والتكنولوجيا في شتى مجالاتهما، كيف تفسر الإقبال الهستيري فيها بدرجة أولى على برامج الغناء والطرب ثم ـ و إن بدرجة أقل ـ على الخطابات الدينية التحريضية التسميمية؟ ماذا فعلنا بأمثال أحمد زويل وجمال حمدان وحامد ربيع؟ مَن مِن مفكرينا نجح في أن يعيش من قلمه؟ العقاد مات فقيرا، رشيد رضا صاحب المنار توفي وهو لا يملك البيت الذي يسكنه. صدق الجاحظ حين قال: قتلت أرض عالمها، وقتل أرضا جاهلها.

• في نظرك، ما علاقة الدين بالسياسة؟ أو كيف تراها؟

•• علاقة الدين بالسياسة كعلاقته بالاقتصاد والزراعة وسائر العلوم والصنائع: تقديم إطار قيمي يعلي من قيم الرحمة والعدالة والكرامة والحرية والمسؤولية والإتقان...إلخ، وما وراء ذلك موكول إلى اجتهاد البشر وتجاربهم وخبراتهم.

لا تعيش أمة بلا دولة ولا دولة بلا سياسة، فالسياسة من شؤون الأمم والجماعات، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، فقد حسم بعده الإمام علي كرم الله وجهه الأمر عادّا السياسة من شؤون الدنيا لا من شؤون الدين بقوله في خلافة أبي بكر: رضيه رسول الله لديننا أفلا نرضاه لدنيانا.

وعبرة تاريخنا الإسلامي أن ربط الدين بالسياسة على النحو الذي نعرف أضرّ بالدين والسياسة جميعا، ولم يستفد منه إلا الساسة الفسدة المستبدون. فهل آن الأوان لنعي ضرورة فكّ الارتباط بين الاثنين ليصلح لنا الاثنين معا بعدما فسدا طويلا؟ عسى.

• تذهب إلى مناطق ملغومة وخطرة جداً حول بعض الأحداث التاريخية؟ ما استدلالك أو روايتك الوثيقة هنا؟ وهل تتعمد أن تلقي مثل هذه الأحجار الثقيلة كي تثير ضجيجاً كبيراً ودوياً هائلاً؟

•• لم أتعمد يوما فيما أعرف من نفسي وقصودي أن أطرح موضوعاً ما بقصد الإثارة وجلب الانتباه، وذلك أني بطبعي زاهد حدَّ البغض في الشهرة ولفت الانتباه، وإنما حقيقة الأمر أني بوّاح بما أرى، لا أُجري حسابات نفع وخسارة، وإنما هي قناعتي أعرضها على الناس بصدق وشفافية تامة، وحين طرحت ما طرحت من قضايا أثارت حولها لغطا كبيرا ولا تزال، علم الله أني ما رميت إلا إلى محاولة تقريب الشقة وتجسير الفجوة بين المسلمين الذين أدركتُ من حين بعيد ما يراد لهم من الاحتراب والتآكل الذي يصب في نهاية المطاف في صالح عدوهم لا في صالحهم، وكنت أمّلتُ أن أتقدم بخطوة من طرفي يكافئها الطرف الآخر بخطوة من طرفه فنلتقي في وسط الطريق أخوة يجمعنا الإسلام الواحد والهم الواحد، فنفرغ لبناء أوطاننا وحياطة مصالحنا، ولكن هيهات، إذا عظم المطلوب قلّ المساعد، كوفئت بضد قصدي وأصرّ قوم أثيمون لا يخشون ربا ولا يرقبون في أخيهم ذمة على رميي بالعظائم وقذفي بالأفائك: «شيعي مدسوس يبغي السنة وأهلها الخبال والعنت، عميل لإيران، زنديق مستخف لعين، طالب شهرة وباغي فتنة». والله من ورائهم محيط وبعملهم خبير بصير وإلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم.

• بعض الروايات التاريخية التي تعتمد عليها لم تخضع لميزان النقد العلمي، كما أن بعض رواة الروايات التاريخية نقلها أصحاب هوى وميول ليست منصفة وليست محايدة.. كيف تواجه مثل هذه الحقائق؟

•• أما بخصوص أدلتي على ما أقول فقد بذلت الكثير منها في وقته وعلى غير طريقتي، بالقراءة من المصادر والتعيين بالجزء ورقم الصحيفة تيسيرا للمراجعة والتعقب، وما عولت على رواية تاريخية صحت أو لم تصح لأقطع بها على غيب أمر عظيم لا يقطع بمثلها على مثله، وإنما هو متواتر التاريخ الذي يعجزني ويعجزك دحضه ولو استعنت بالثقلين، ودونك مثال على ما أعنى: هل تجد أحداً من هذه الأمة المرحومة أو من سائر من اتصل بها من الأمم ضرب مثلا برحمة الحجاج وإنصافه؟ اللهم لا، وفي المقابل أتجد منصفا من مسلم أو كافر في الشرق والغرب يجهل عدل عمر الفاروق الذي سارت به الركبان وضربت به الأمثال؟ فحتى من بين الشيعة وجد من أنصفه ـ حين احترم الحقائق ـ فأقر بعدله وقسطه. لكنك لن تعدم هنا أو هناك من يثير عجاجة حول هذه الرواية أو تلك مما يتعلق بعدل عمر أو ظلم الحجاح، ولا بأس ففي المحصلة تبقى الصورة هي هي إطاراً ومضموناً.

جوقة السبابين

• في قضايا النقد التاريخي في مرحلة الصحابة رضوان الله عليهم.. هل ندمت على طرحها؟ أو هل غيرت قناعاتك بذات القضايا؟ أم غيرت قناعاتك بمناسبة طرحها؟

•• سئلت من قبل عن هذا، وكان جوابي واضحاً، ندمت على فتح هذا الملف لجهة أني أدركت بالتجربة أن الأمة في مجموعها سنة وشيعة ليست ـ من أسف ـ مهيأة بعدُ لمراجعة تاريخها الذي رهنت حاضرها ومستقبلها له. أدركت بكامل الأسف والحسرة أن الفريقين في عمومهما غارقان إلى الآذان في وهم امتلاك الحقيقة المطلقة، وكل مراجعة يمكن أن يتسامح طرف بإجرائها مشروطة مسبقا بأن يكون حاصلها لصالحه. ولم يكن من مقتضى الحكمة أن أواصل في الطريق نفسه مفوتا الفرصة لطرح عشرات الملفات الأخرى التي نحن بأمس الحاجة إليها، وهذا ما كان، والآن لا يمثل ملف الصحابة بالقياس إلا ملفا واحدا من عشرات الملفات التي فتحتها واستجاب لها الناس بفضل الله خير استجابة. أما أن أكون غيرت قناعتي بشجب الظلم والظلام والانحياز إلى العدل والنور فأعيذ نفسي بالله العظيم من ذلك.

• يقول الدكتور عبدالله الغذامي إن الفقه المتشدد جعل الجيل الشاب يلجأ إلى عدنان إبراهيم رغم ترهاته وجناياته.. ألا يزعجك مثل هذا الرأي خصوصا عندما يأتي كتغريدة من مثقف وناقد كبير هو الغذامي؟

•• لم يزد الدكتور الغذامي بسبابه هذا على أن انضمّ إلى جوقة السبابين الذين سيحكم الله بيني وبينهم يوم نقف بين يديه، وإن كانت معرة سبابهم عادت عليهم بفضل الله في الدنيا، فلا يزال في الناس من يميز الخبيث من الطيب. ولست أعلم علام قام الرجل يسبني ـ وهو قطعا بما قال لا يدري من أنا ولا ما أنا ـ إلا أن يكون الأمر محاولة للازدلاف إلى من لا يزال يشكو ظلمهم له وبغيهم عليه حتى كفروه وأخرجوه من الملة. وإن كان للرجل نية في الإنصاف فلست أرجوه إلا أن يراجع فقط أسماء خطب العام المنصرم 2016 ليرى هل أنا من الترهات أو هي مني؟

• «الكرامات» كانت محل خصام بين أنصارك وخصومك؟ هل تعتقد أن الكرامات لا تزال تعيش في زمننا هذا؟ ولماذا لم تعقلن خطاب الكرامات هذا؟

•• يا سيدي من استحب أن يشكك في الكرامات فليشكك أولاً في كرامة مريم بنت عمران، وكرامة أصحاب الكهف، والذي أماته الله مئة عام ثم بعثه، والذي أتى بعرش ملكة سبأ في طرفة عين، وليشكك في حمل زوج سيدنا إبراهيم في علو سنها بعد أن يئست من المحيض بدهر طويل، ودع عنك ما صح في السنة واستفاض فذاك عنه النطاق يضيق. وإن شئت أن تعجب فاعجب لقوم طال على مثلي نكيرهم في الوقت الذي تبجحوا فيه بكرامات شيوخهم في القديم والحديث في غير تحرج، على أنّ منها ما بلغ دعوى الاطلاع على غيب اللوح المحفوظ! وتعليم الجان فروض الشرع الشريف!

والأمة مطبقة على استمرار الكرامة لأهلها في كل أين وآن. أما أني لم أعقلن خطاب الكرامة، فألفت إلى أنه ليس جزءا أساسيا في خطابي، لمن تتبع خطابي، ثم أني قد فعلت غير مرة، ويكفي التذكير هنا بأن الكرامة لا تزيد على كونها خرقا للعادة لا للعقل، وسبيلها بهذا الاعتبار سبيل المعجزة. وإن أضيق الحدود حدود العادة، تليها حدود العلم، لتبقى حدود العقل هي الأوسع. لا المعجزة ولا الكرامة -لمن حمي أنفه للعقل- يتناقضان مع العقل، والشرع يأتي بمحارات العقول لكنه لا يأتي بمحالاتها. ومن الخطأ رهن الاعتقاد الديني إلى ما يعيّنه العلمُ من الحدود، التي ستظل بطبيعتها مفتوحة متحركة. أما من غار على جناب العلم فأحيله على أحدث الدراسات العلمية المحترمة في حقل الباراسيكولوجي.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، ومنه وحده الهداية وبه المعونة.