-A +A
هاني الظاهري
لا أهتم كثيرا بمتابعة التصريحات والبيانات المناهضة لمشاريع التنمية والتحديث في السعودية التي يطلقها بعض المتطرفين دينيا ممن يصفهم أشباههم ومؤيدوهم بالعلماء والشيوخ وما إلى ذلك من ألقاب تفخيمية ملقاة على قارعة الطريق..

لا أتابع تلك التصريحات والبيانات لأنها في الغالب مجرد صيحات هستيرية لا تفيد إلا باكتشاف إصابة مصدريها بالمرض النفسي المعروف (جنون الارتياب)، وقد اعتاد السعوديون عليها منذ أيام تحريم الدراجة الهوائية والغترة البيضاء وتعليم البنات، مرورا بتحريم الإذاعة والتلفزيون وجوال الكاميرا وغير ذلك مما يثير سخرية العقلاء في كل مكان على سطح هذا الكوكب، لكنني مضطر للتطرق لها اليوم بعد اتضاح أن لبعض هؤلاء مناديب في مجلس الشورى على استعداد لمخالفة أنظمة المجلس وأدبياته في سبيل ترويج تلك الأفكار والانتصار لها بمحاولات دون كيشوتية، وكالعادة لن أذكر أسماء لأنني أعتقد أن مجرد ذكرها أمر بمثابة التسويق لها ومنحها أكثر مما تستحق.


قبل ذلك لا بد أن أوضح بشكل مختصر أن مرض (جنون الارتياب) لمن لا يعرفه حالة ذهنية تتميز باعتقاد باطل راسخ يتشبث به المريض بالرغم من سخافته وقيام الأدلة الموضوعية على عدم صوابه كأن يعتقد أن كل سكان العالم خُلقوا لكي يتربصوا بثقافته أو دينه، بجانب الخوف المرضي من أن تؤدي كل الأشياء الجديدة إلى أمور سيئة وتدميرية ونحو ذلك، وهذا المرض قد تصاب به مجتمعات بكاملها فهو مرض جمعي أيضا، وله نماذج شديدة الوضوح على أرض الواقع يميزها كل عاقل.

الأسبوع الماضي تجاوز أحد أعضاء مجلس الشورى صلاحياته ومارس الإثارة على توصية دمج هيئة الأمر بالمعروف بوزارة الشؤون الإسلامية التي تقدم بها 3 من زملائه رغم أنها لم تُطرح للتصويت حتى تاريخه ولم يُطلب رأيه فيها، ليكشف بشكل غير مباشر أن انتفاضته ليست سوى مجرد إثارة لايصال رسالة (مجنون ارتياب كبير) أصدر بيانا ضد التوصية ووصف مقدميها بالتغريبيين ذوي المطامع.

العضو الذي أدخل (جنون الارتياب) إلى قاعة مجلس الشورى لم ينس أن يهاجم صحيفة «عكاظ» التي نشرت تقريرا عرّى عقلية شيخه صاحب البيان المتطرف، وبهذا أكد دون وعي أنه ليس صاحب صوت وقرار مستقل يمكن أن يُناقش ويُرد عليه، وهو أمر مؤسف للغاية لكنه في نهاية المطاف واقع لا بد من التعامل معه.

المثير أن هذا العضو زعم أن قرار تنظيم الهيئة الذي مرت سنة كاملة على إقراره تسبب في معاناة المجتمع، ولا نعرف عن أي مجتمع يتحدث ولا لأي معاناة يشير لأننا ببساطة من المجتمع ونرى أن حكمة هذا القرار حمت كرامة المواطنين وحقوقهم ورفعت عنهم معاناة حقيقية كانوا يواجهونها مع متجاوزي الأنظمة المنتسبين للهيئة، كما أن أمن المجتمع في أفضل حالاته في ظل الأجهزة الأمنية التي وضعتها القيادة لهذا الهدف.