-A +A
عبدالله صايل
abdullahsayel@

المطبّق من أكثر الأكلات الشعبية انتشارًا بفضل الجالية اليمنية في المملكة، وتفنن أهل الحجاز في تطويرها على مر السنين، وهي للمهتمين بتاريخ الطعام حيلة ذكية لصنع وجبة شهيّة إن لم يكن في البيت سوى القليل من هذا وذاك، فلو كان لديك بيضتان لا تكفيان لإطعام ٤ أشخاص مثلا، اخلطهما مع قليل من الطماطم وبعض الكراث، واسكب هذا الخليط فيما تيسّر من عجين، وارمه على صاج ساخن، وسيكون لديك وجبة مطبّق ثقيلة تسد جوع جميع من في البيت لساعات.


وفي تاريخ البشر عمومًا هناك وجبات لا تنفصل اليوم عن ثقافة الشعوب، بل تحولت إلى أيقونات يستدل بها على البلدان وليس العكس! ومنها «البائية» في إسبانيا، وهي من ابتكار الفقراء الذين كانوا يخلطون ما يفيض من قصور السلاطين من أرز وبقايا أسماك وخضراوات. هذا بحسب رواية مترجم السفارة الذي رافقني مشكورا خلال زيارتي مدريد لتغطية معرض فني سعودي أقيم هناك في العام ٢٠٠٠م كما أذكر.

الجميل في موضوع المطبق وما يشبهه في ثقافات أخرى أنه لا يعتمد على مكون واحد كما في القديد أو حتى «محيزرة» نجد الشهيرة، بل يشبع المطبق حاجة الإنسان الأزلية إلى التنويع في المكونات، ولا يبخل بالثراء حتى في الألوان (الجزء الخاص بالألوان متعلق بمقاييس صديقي الشيف مشاري، شاب سعودي يعمل في فندق ٥ نجوم).

ماذا عن الزمن الحالي؟ هل سنشهد ظهور وجبات من ابتكار الفقراء ومحدودي الدخل؟ يعني: هل سيكون هناك «شاورسا»؟ وهي لفافة خبز محشوة بالبطاطا المهروسة مع الثوم لإيهام الطفل أنه يأكل شاورما. وهل سنرى ظهورا قويا للـ«بيضُرقر»؟ وهي شطيرة خبز الهمبرغر المحشوة بفتات البيض وشريحة بندورة، لعلها تكون ألذ مما توفره مطاعم الوجبات السريعة؟ وماذا لو اتسعت دائرة الحاجة إلى ترشيد الاستهلاك أكثر وأكثر، فهل سنشاهد صنفا عالي الطلب من الطبقة الشعبية تحت اسم «خَفسة»، وهي خليط من الأرز والخضراوات المطهوة في مرق خُف الحاشي، كبديل للكبسة الدسمة والمليئة باللحم الصافي الذي يذوب في الفم مع كل لقمة.

ربما.. فالأيام حُبلى!

وصنيع اليوم هو إرث الغد وأيقونته الخالدة.