-A +A
هاني الظاهري
مشكلة الإنسان الظلامي في كل العصور تتمثل في إيمانه التام بأنه ليس كذلك، ومن شبه المستحيل أن يوجد ظلامي في هذا العالم يظن أنه لا يمتلك الحقيقة المطلقة أو أن الأقدار لم تصطفه لمحاربة الشرور، حتى إن الظلامي في العالم الإسلامي يعتقد جازماً بأنه حصن الأمة وحامي بيضة الدين وما إلى ذلك من خزعبلات يقنع بها أتباعه فيحولهم إلى «ربوتات» لتكرار هرطقاته وترويجها، وعادة لا يكبح هذا الجهل إلا يد السلطة المتنورة كما جاء في الأثر عن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».

غرق العالم الإسلامي في الجهل والظلام وتخلف عن ركب الحضارة في القرون الماضية بسبب تسلط الظلاميين عليه واتحادهم مع سلطة أكثر ظلامية تمثلها الدولة العثمانية التي من أشهر فرماناتها منع الآلة الطابعة لأكثر من قرنين بعد اختراعها على يد الألماني «غوتنبرج» في القرن الخامس عشر، مُنعت الآلة الطابعة رسمياً وعوقب مهربها ومستخدمها بأغلظ العقوبات لأن مجموعة من الظلاميين أفتوا بحرمتها خوفاً من تحريف القرآن والصحاح باستخدامها، حتى أن المستعمر الأوروبي كان أكثر رحمة بالمسلمين إذ أدخل نابليون بونابرت الطباعة إلى مصر خلال حملته عليها عام 1798 أي بعد 342 عاما من اختراع الآلة الطابعة، وما كادت الحملة الفرنسية تكمل سنتها الأولى حتى صدرت أول صحيفة عربية من الاسكندرية بأمر نابليون تحت مسمى «الحوادث اليومية»، تلتها بأشهر صحيفة التنبيه التي أسسها الجنرال مينو جاك أحد قواد الحملة الفرنسية وتولى الإشراف عليها الأديب المصري إسماعيل بن سعد الخشاب وتوقفت بعد خروج الفرنسيين من مصر لكن الطباعة انتشرت بعد ذلك فطبعت ملايين الكتب وازدهرت مصر علميا بفضل هذا المستعمر.


الطريف أن العثمانيين الذين منعوا المسلمين من الاستفادة من تقنيات العصر وألقوا بهم في غياهب الجهل والظلمات فيما الأمم تتقدم من حولهم، سمحوا لرعايا دولتهم من اليهود والمسيحيين باستخدام الآلة الطابعة لطباعة كتبهم المقدسة في معابدهم وأديرتهم شريطة أن لا يمكنوا المسلمين من الاستفادة منها طوال أكثر من قرنين، وهم يحسبون أنهم بذلك يحمون الإسلام من الضياع والفتن.

تذكرت حكاية منع الطباعة وأنا أشاهد العرس السنوي الضخم للثقافة في السعودية متمثلا في المعرض الدولي للكتاب المقام حالياً في العاصمة الرياض، وأشاهد كذلك اعتراضات وشغب الجهلة باسم الاحتساب على فعالياته وهي أحداث متكررة تحولت إلى عادة سنوية لا فكاك منها، ذلك لأن ظلامي اليوم ليس سوى وريث شرعي لظلامي الأمس حتى وإن لم يجمعهما النسب، فأفكار الظلاميين لا تموت لكنها تختبئ في الجحور المظلمة عندما تتسيد المشهد الأنوار، كما أن المشاغب الظلامي الصغير سيجد من الظلاميين الكبار تأييدا على فعلته ما لم يؤخذ على يده وتوقع عليه أشد العقوبات ويتم التشهير به ليكون عبرة لغيره.. حينها فقط ستعود العقارب للاختباء في جحورها ويواصل المجتمع سيره في ركب الحضارة دون معوقات.