-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
ما من يوم يمر إلا والناس مشغولة بقضايا إنسانية أو بوقائع طريفة أو بحوادث مؤلمة، ومنها ما يتحول إلى قضية رأي عام عبر وسائل التواصل، وعادة ما تنتهي بمبادرات إنسانية، أو تنفيذ العدالة حسب كل حالة.

آخر تلك الحوادث ما يتعلق بالسيدة التي تعرضت لابتزاز ومحاولة تهجم من مقيم غير نظامي، وأيضا تلك الهمجية الإجرامية التي قام بها شبان مراهقون بالاعتداء على رجل أمن أراد وقف عبثيتهم على كورنيش جدة، وغير ذلك مما تكشفه صور ومشاهد فيديو، وتلك من مزايا التقنية الحديثة على عكس ما يستغلها البعض في انتهاك الخصوصيات أو هدر الوقت.


لنتوقف قليلا عند الحادثتين المؤسفتين، وابدأ بمشهد العنف المتعمد مع سبق الإصرار من هؤلاء المراهقين الذين أفلتوا سوء أدبهم ونزقهم بحق رجل مرور بالزي الرسمي وهو عائد من عمله بسيارته الخاصة، في مشهد يثير الغضب والحنق مما عليه بعض الصبية من غياب التربية، ونقدر هنا سرعة ضبطهم وتقديمهم للعدالة، فماذا لو حدث مثل هذا الجرم مع شخص برفقة زوجته أو مع سيدة مترجلة أو تسببوا في حادث أخطر يزهق أرواحا؟!

الواقعة الثانية بشأن المقيم الذي تنمر بسيدة يعمل لديها وحاول التهجم عليها ولا أريد هنا الخوض في تلك الجريمة، أو كان المقيم نظاميا أو غير نظامي، إنما ما أعقبه من تعليقات وآراء ذهب بعضها إلى المطالبة بفتح الاستقدام لأسر ذوي المهن الحرفية، بدعوى توفير أسباب التعفف لهؤلاء، وتنشيط الأسواق وغيرها، والأهم في نظر البعض هو زيادة مداخيل الرسوم القائمة أو اللاحقة على المقيمين والتابعين لهم من الأبناء.

حقيقة يصعب النظر من هكذا منظور بفتح الاستقدام لأسر شريحة من المقيمين أصحاب مهن حرفية، كان معظمهم يمارسونها كأعمال حرة مخالفة لأنظمة العمل والإقامة، وإذا ارتبط الأمر بالسائقين، فإنه غير معقول ولا ممكن من الأسر السعودية ولا من السائق نفسه من حيث السكن والإعاشة وتعليم الأبناء، وبالتالي حتى أسرته لا تقبل بهذا الضيق المعيشي الذي تصبح معه الغربة عن بلادهم بلا جدوى ولا ادخار يعني بعملاتهم مبالغ كبيرة يستقروا بها في بلادهم.

الأمر الثاني هو أن ما حصل من تهجم أو تهديد وابتزاز، يمكن أن يحدث من مقيم ومن مواطن وليست تلك الحالات وغيرها حصرية على هذا أو ذاك، فكافة المجتمعات فيها الطيب والخبيث من كل الجنسيات، ولسنا استثناء ولا مجتمعنا ملائكيا، إنما توجد الشريعة والأنظمة والعدالة، ومن يجعل نفسه فوق ذلك فمصيره للعقاب.

الأمر الثالث أن لدينا بطالة في مجالات مختلفة وبدرجة أكبر في الأعمال المهنية، ويتم التعامل معها بالتدريب والتوظيف وقطعت شوطا كبيرا، ومجالات عمل يدوية نتمنى لو عمل فيها الشباب واكتسبوا الخبرة وأقبلوا عليها عملا بالحكمة القائلة (صنعة أبوك لا يغلبوك) خاصة أن الأعمال المهنية تدر دخلا، والعمل الشريف إضافة لقيمة الإنسان، بل إن بعض الحرفيين ندفع لهم مالا ندفعه للطبيب.

أخيرا وليس آخرا، إن حكاية استفادة الدولة من الرسوم على المقيمين والتابعين لهم، فهذه مسألة تشرح نفسها، لأنك هنا تفترض أن فتح الاستقدام لأسر العمال والحرفيين المقيمين سيزيد المداخيل العامة، هذا إذا افترضنا أن تحفيزهم على استقدام أسرهم، سيجلب أعدادا كبيرة، ونغفل أن أسر مقيمين موجودين قد تجد نفسها مجبرة على المغادرة.