-A +A
عبدالمحسن هلال
دلفت إلى المجلس وكان عامرا بمن أعرف ولا أعرف، أخذت أقرب مقعد وجلست أنصت لما يقال، وشاركت بما أستطيع، قبيل موعد العشاء التفت إلى الجالس بجانبي وكان من كبار رجال الأعمال، سألني: ألست فلانا؟ وقبل أن أجيب أكمل: ..الذي ينتقد رجال الأعمال دائما، قلت: بلى، ويبدو أن إجابتي لم تعجبه، قال بحدة: أليس غريبا أن تنتقد قطاعا أنت غريبا عليه ولا تعرف ظروفه ولا تقدر عقباته، أنت تطلب منه حل مشاكل ليس مسؤولا عنها كالبطالة والسكن، وإن كنت تدعي معرفة بعلم الاقتصاد، فلا بد أن تعلم أن الاستثمار يتطلب حوافز وتسهيلات واستقرارا وضمانات كافية للمستثمرين لاسترداد رؤوس أموالهم.

شعرت أني وقعت في فخ نقاش شخصي لا أستسيغه، تجاوزت تعريضه وحاولت حصر الأمر، قلت بصوت تعمدت خفضه: دعنا نركز على قضيتين: المشاكل التي ذكرتها كالبطالة والإسكان، ثم نعرج على الحوافز والضمانات، لم تفضل العامل الأجنبي؟ قال بل لدي عمال سعوديون، قلت: أتحدث عن النسبة، والنسب تقول بغلبة العامل الأجنبي حتى غدا يمثل ثلث عدد السكان. قال معظم العاطلين غير مؤهلين وغير مدربين، وهذه أيضا ليست مهمة القطاع الخاص، ضغطت على أسناني وأنا أقول: سيدي هل سمعت برواد أعمال وطنية عالميين، أتعرف طلعت حرب في مصر أو هنري فورد في أمريكا وغيرهم كثير، هؤلاء بنوا صناعات وطنية بأيدي أبناء بلدانهم، احتضنوهم ودربوهم وأهلوهم حتى انتهوا بإدارة الشركة، قاطعني قائلا: لا تفتؤون بذكر مفردة الوطنية في كل أقوالكم وكتاباتكم حتى لتظنوا أن غيركم غير وطنيين.


مرة أخرى شعرت أني تورطت، حاولت الانسحاب النظامي، قلت: من يعلم سيدي، ربما نرى غدا تجمعا أو تكتلا بين كبار رجال الأعمال يتبنى مشروعا حيويا كبيرا أو ينشئ صناعة كبرى يعتمد التوطين. غير أني للأسف استرسلت: خياركم للعمالة الوافدة يقابله خيار تكليف شركات عالمية تأتي بعمالتها شريطة أن تتبنى التوطين التدريجي، في الحالين ستتواجد عمالة وافدة، مع الفارق أن عمالة الشركات العالمية ستكون مؤهلة ولن تتدرب علينا، وستنتهي مع الزمن، أما عمالتكم فلا تنتهي، تحتج بقلة الامتيازات والتسهيلات ولا يوجد قطاع خاص في العالم يتمتع مثلكم، حيث لا ضرائب ولا تدخلات حكومية، وتطالبون بالمزيد، ولما لمحت المضيف يتأهب للدعوة للعشاء، قلت بسرعة: زمن البقرة الحلوب انتهى يا سيد ونبتة اللبلاب انقرضت، و«بزنس إز بزنس»، خذ وأعط. نظر إلي شذرا وأراد قول شيء، لكن سبقته صيحة المضيف، فكان العشاء فاصلا.

تركته وأنا متأكد أنه لن يراني إلا حاقدا أو ربما حاسدا لرجال الأعمال، مع أن أملي فيهم مازال كبيرا ألا يقتاتوا أو يكتفوا بالمشاريع الحكومية، الأمل أن يمارسوا أدوراهم الكبيرة المنتظرة، فكم من دولة نهضت بالقطاع الخاص الذي استفاد وأفاد.