-A +A
محمد أحمد الحساني
تأملت في صور الحياة التي تمر أمامي وعادة ما أخرج من التأمل بفائدة أو ملاحظة أو تساؤل، ومما تأملته أنني وجدت فارقا بين ابتسامة الأدنى للأعلى وبين ابتسامة الأعلى للأدنى عند التقاء نظراتهما في المناسبات أو اللقاءات أو الاجتماعات فالأدنى مكانة ومرتبة يجاهد في وضع ابتسامة على شفتيه يواجه بها الأعلى ملاحقا إياه بها حريصا على أن يراه مبتسما تبدو على محياه علامات الرضا والإعجاب بما يقوله ويفعله الأعلى الذي قد لا يبالي بما يراه من ابتسامات مصطنعة، لأنه يدرك في قرارة نفسه أنها نوع من التزلف الهادف إلى التقرب إليه ونيل منزلة عنده يحصد المتزلف من ورائها بعض المكاسب الوظيفية أو المادية فهي ليست ابتسامات تقدير وإعجاب حقيقي وإلا لسعد بها، لأن التقدير والاحترام من الحاجات النفسية الأساسية الأربع عشرة التي أحصاها علماء النفس ومنها الحاجة للطعام والشراب والجنس والأمن والسكن والنوم والترويح عن النفس والعيش في مجتمع إنساني مناسب. ولذلك لا عجب أن ترى أمامك مجموعة من الابتسامات التي تفتر عنها الشفاه في حضرة الأعلى مكانة ووظيفة وهي ابتسامات تظل منفرجة ما دام الأعلى موجودا في الموقع وكأن تلك الشفاه قد ألصقت بلاصق يجعلها مفترة بالساعات حتى انتهاء المناسبة ومغادرة المسؤول الزائر.

أما ابتسامة الأعلى للأدنى فإنها في غالب الأحيان تكون ابتسامة رضا وتقدير وتشجيع وتحفيز على المزيد من العطاء المميز، لأن موقعه القوي لا يضطره إلى رسم ابتسامة زائفة وحتى لو اصطنع الابتسام فإنه يفعل ذلك من موقع القوة لا الضعف مستفيداً من ثناء من يقابلونه على ما لمسوه فيه من


تواضع جم وحسن تعامل ومودة ظاهرة، كما أن الأعلى قد يبتسم ابتسامة ماكرة يفهمها أو لا يفهمها أنداده أو خصومه في الإدارة ولذلك نبه المتنبي إلى هذا النوع من الابتسامات الماكرة بقوله:

إذا رأيت نيوب الليث بارزة *** فلا تظنن أن الليث يبتسم

فإن ظننت أنه يبتسم لك.. أكلك !.