-A +A
عبدالمحسن هلال
محاولات فهم عمل العقل البشري بدأت منذ أيام أرسطو، وإلى اليوم لم ينته العلماء إلى تعريف جامع، لست بصدد استعراض ذلك ولا حتى الحديث عن العقل، إنما إمعانا في البعد عن الشأن العام، وما أحلا البعد عنه، وددت التثاقف معكم اليوم عن ظاهرة عقلية تمر بأي منا وربما كل يوم، لعلها تمثل أبسط عمليات العقل وأكثرها بدائية، عملية الموازنة بين أمرين مرغوبين، كيف يخاتلنا العقل فيها، ليس خداعا بحتا، ربما هي للمراوغة أقرب. قبل ذلك، بدهي القول إن العقل مدرك أساسي للفهم والاستيعاب، ونحن مطالبون دينيا وعلميا باستخدامه لإدراك أن الله سبحانه لم يخلق هذا الكون باطلا، ولإعمار الأرض بما ينتجه هذا العقل من أدوات وما يكتشفه من معلومات.

عندما تقلب الرأي في موضوع وتدخل في حوار مع العقل، ما نوع القرار المتخذ وكيف تصل إليه، حتى لو استخدمت الطريقة العلمية في اتخاذ القرار، تحديد المشكلة، جمع المعلومات وتحليلها، وضع الفروض واختبارها، وضع الحلول وبدائلها، أو حبذت الطريقة العملية بوضع جدول لإيجابيات وسلبيات كل قرار للمقارنة، ومهما حاولت أن تكون موضوعيا، ستلاحظ ميلا طبيعيا داخلك، لنسمه عاطفيا، لقرار ما. ليس الهوى في رغباته الحسية، فنحن مطالبون بمخالفة الهوى، تحاول إقناع عقلك به فلا يقتنع، فتطلب شفيعا آخر، تأملوا قوله صلى الله عليه وسلم «استفت قلبك»، القلب؟ موضع الهوى والرغبات؟ نعم، لكنه موقع الاطمئنان أيضا، تقول أحيانا اطمأن قلبي لهذا الأمر، راحة القلب درجة لا يبلغها إلا مرتاح الضمير، وكلاهما مرحلة لا يبلغها إلا ذو حظ عظيم.


كيف يؤثر القلب إيجابيا على قرار يتخذه العقل؟ سؤال حار كثيرون في فهمه، تحدثوا عن علاقة العقل بالروح بالقلب بالنفس، ولفهم حديثهم علينا محو ما ارتبط في أذهاننا عن الروح وهوامها، وعن القلب وميله للشهوات، وعن النفس وميلها لزينة الدنيا، ثلاثتهم إذا ارتبطوا بالعقل تعددت وتنوعت مفاهيمهم. في عالم تجريدي يمكن القول إنه خارجيا الصراع الأبدي بين الخير والشر، وداخليا (نفسيا) هو الصراع الفطري بين التقوى والفجور، أنت تميل إلى أن تكون ممن زكاها وضروب من الرغبات تريدك أن تكون ممن دساها، أنت تخاتل عقلك وهو أيضا يخاتلك، تسأله وقد أكننت القرار، وهو يحاورك وقد اتخذ القرار، فأين تلتقيان؟

هذه المراوغة العقلية تعتمد على عناصر عدة تتفاعل مداخيلها، منها البيئة والنشأة والتربية ودرجة التعلم والخبرة وفي النهاية درجة الذكاء المكتسبة من كل ما سبق، تنصهر جميعها في بوتقة العقل لتنتج قرارك. صوابية القرار مبدئيا ليست مهمة، جميعنا يتخذ قرارات خاطئة، الأهم التعلم من التجربة، ولأن حياتنا لا تتسع لكل التجارب، تأتي ميزة أخرى للعقل هي التعلم من تجارب الآخرين، وقليل من يفعلها.