-A +A
محمد الساعد
يقول المثل المصري الشهير، «اللي بنى مصر في الأصل كان حلواني»، معبرا عن حلاوة مصر وجمال بنائها، وعراقة عمارتها، وأنا أقول إن المهندسين والموظفين الذين بنوا مدننا، كانوا في الأصل «سباكين ومليسين»، استنادا على المثل الشعبي المحلي، «طبطب وليس يطلع كويس».

مع الأمطار الغزيرة غير المسبوقة، التي داهمت المدن والقرى السعودية، وتعثر كثير من الشوارع والأحياء والمرافق العامة، أضحى الكثير يتغنون ببناء وتخطيط الجبيل وينبع الصناعيتين، ويقارنون بين مدنهم والدول الغربية، لكنهم يتناسون كيف بنيت تلك المدن، وعلى يد من تألقت.


قبل الخوض في غمار المياه الراكدة، لنعد بالذاكرة للمدينتين الجميلتين، لنعرف لمن الفضل في بنائها بطريقة حديثة، وبمواصفات عالمية، صمدت طوال 40 عاما، فلا تآكلت بنيتها ولا تعثرت مسيرتها.

تم تأسيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع بموجب إرادة ملكية في 16/‏9/‏1395هـ، وقد منحها هذا المرسوم سلطات كاملة، لإنشاء وتطوير التجهيزات الأساسية في كل من مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، مع تخصيص ميزانية مستقلة، واستقلال إداري كامل، ما جعلها مؤسسة حكومية فريدة من نوعها في المملكة.

قامت الهيئة فورا بالاستعانة بكل من الشركتين الأمريكيتين «بكتل، وبارسونز»، لتنفيذ رؤية طموحة، رسمت بموافقة الملك خالد، ورعاية من ولي عهده آنذاك الأمير فهد بن عبدالعزيز رحمهما الله، تولى الإشراف عليها اثنان من أهم التكنوقراط في الإدارة السعودية، الدكتور غازي القصيبي، والدكتور جميل الجشي، اللذان لم يوكلا تلك المبادرة التنموية الطموحة، لمقاولي الأنفار الذين يعملون بواسطة «الخلاطات» اليدوية، ويجلبون العمال من الشوارع الخلفية للمدن، بل سلمت لشركات أمريكية ومهندسين أمريكيين، ذوي كفاءة وسمعة عالية.

بنيت الجبيل وينبع نهاية السبعينات، في نفس الوقت الذي تدفقت فيه الأموال على جدة والرياض والدمام وبقية المدن والقرى، أي مع بدء الطفرة الأولى، مع ملاحظة أن المدن السعودية، سلمت لمهندسين وموظفين محليين.

الأموال، والنوايا الحسنة وحدها، لا تكفي لبناء الأوطان، بل قليل من التفكير يقول: إننا بلا تراكم معرفي، ونفتقر لتخطيط طويل المدى، ولذلك سيكون الهدر عاليا ومكلفا، وأنه حتى لو تعلم بعض أبنائنا الهندسة، وتخطيط المدن، فالبنية الإدارية لدينا ضعيفة، ومعظم العاملين وصلوا إلى تلك الوظائف عبر شغور المراتب، والأقدمية، وربما المحسوبية.

الفرق أن الشركة والخبير الغربي لديهما تاريخ طويل، وخبرة هائلة في العمارة وبناء المدن، والتعامل مع التحديات الطبيعية، وموظفنا، قليل الخبرة، يستخدم نظرية «طقها والحقها».

انظروا لبيوتنا، وشوارعنا، وحدائقنا، من رسم مخططاتها، وأعطى تصاريح بنائها، تكاد تكون نسخة واحدة متكررة بلا ملامح، راجعوا كمية الأموال التي صرفت على التنمية، في العشر سنوات الأخيرة فقط، لقد تجاوزت خمسة ترليونات ريال، سلمت للوزارات والبلديات التي يرأسها ويعمل فيها موظفون محليون.

رفضنا توظيف خبراء غربيين، في وظائف قيادية داخل الوزارات والبلديات، ليتنا نغير رأينا وندعوهم للعمل على الأقل في المكاتب الخلفية، ليأخذوا عبء التخطيط، ورسم السياسات، واستحضار التراكم المعرفي لديهم، كما فعلوه في الجبيل وينبع سابقا، ودبي وأبو ظبي حاليا.