-A +A
عيسى الحليان
لا يمكن حصر الضرر الناتج عن الاعتماد على مصدر واحد للدخل على العجز الحاصل في الميزانية وتغطية بنود الإنفاق العام وتحقيق الرفاه الاجتماعي، ولكن لأن معالجة هذا العجز أصبحت تستنزف اليوم جزءاً هاما لا يستهان به من جهود الدولة وبرامجها، فالأجهزة والدوائر الرئيسية للدولة مشغولة حاليا بهذه المسألة، وتنصرف جل جهودها وأولوياتها على تخفيض الإنفاق، والبحث عن موارد جديدة، وهذا كله أمر طيب بل ولا غنى عنه، لكنه يأتي في وقت ضيق وقصير جدا لمعالجة كل هذه الاستحقاقات المتراكمة عبر عقود طويلة، في حين كنا في براحة من أمرنا، خصوصاً أن المجالس العامة واللجان الوطنية تكتظ أجنداتها وملفاتها حاليا بهذه المواضيع المعقدة وتنشغل بها، فإن هي تأخرت زاد الضغط على الموارد الحالية التي لا تكفي، والوقت بطبيعة الحال من ذهب، وإن هي أسرعت ربما وقعت في أخطاء، لأن هذا التحول برنامج طويل الأمد ويأتي عادة على مراحل، فليس خافيا اليوم أن معظم الوزراء ووكلائهم ورؤساء الهيئات والمؤسسات العامة يعكفون من خلال اجتماعات متتالية في أروقة هذه المجالس واللجان الاقتصادية على مراجعة الملفات القديمة بما في ذلك جملة من الخطط والأنظمة والقرارات بهدف الخروج برسم خريطة جديدة للدخل والإنفاق لتحقيق التوازن على الأقل، ورغم كونه أمراً مطلوباً وعملاً ملحاً لا غنى عنه في هذه المرحلة لكنه يحصل بسرعة تعادل البطء الذي ساد الحقب الماضية، وبالتالي ندفع في وقت قصير ثمن الجمود والتأخير الذي حصل في الماضي، والذي لا يُسأل عنه هذا الفريق الاقتصادي، وهذه كلها مسائل لا بد أن تترتب عليها جملة من النتائج لاحقاً، خلاف أن هذه الجهود يفترض أن لا تغفل مسؤولية ودور هذه الوزارات والفرق واللجان في ثلاثة جوانب أساسية في هذه المرحلة، التنمية البشرية، والتنمية الإدارية، وإدارة التنمية، وكلها ذات صلة مباشرة بالشأن الاقتصادي ولا يمكن تحقيق تقدم مستدام في هذا الملف من دونها، وبالتالي ضرورة إعادة هندسة كافة الأنظمة والتشريعات العامة للبلاد التي شئنا أم أبينا فإن هذه الإصلاحات الاقتصادية تتقاطع في أكثر من مفصل والحاضن الأساسي لها سياسياً وفكرياً واجتماعياً.