-A +A
بشرى فيصل السباعي
من حيث الواقع غالب الناس مسيرون بالكامل بنوعية الثقافة العامة السائدة في بيئاتهم، ولهذا عندما تكون هناك ظواهر عامة سلبية فالأصل في معالجتها هو تصحيح الثقافة العامة السائدة بنقدها وطرح البديل الإيجابي، وهناك نوعان أساسيان من الثقافات؛ ثقافة احترام وعدل وإحسان، وثقافة تحقير وما يجره من مظالم انتهاك الحدود والحقوق المادية والمعنوية الخاصة والجماعية لمن ولما يتم تحقيره، وأصل كل استساغة للإساءة للآخرين هو النظرة التحقيرية لهم، مع العلم أنه من مخادعة الضمير والوعي ونفاق الازدواجية المتناقض زعم أهل ثقافة تحقيرية أن ثقافتهم ثقافة للعدل والتكريم والإحسان لأنها الأرقى التي يفتخر بها، بينما ثقافتهم بالواقع المعاش ثقافة تحقير ومظالم تنحاز لمنظور المستكبر بدل الضحية المحتقرة وتجبرها على الخضوع لظلمه وتقولب عقول النشء على التحقير حتى يصبح من المسلمات بالنسبة لهم، وتلقنهم أن مطالبة الضحايا بعدل احترامهم وحقوقهم هي مؤامرة وفساد (وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد). وبهذا تصبح عنجهية سوء الأخلاق والسلوك وسوء المعاملة والظلم سائدة في أبناء هذه الثقافة، وهذا يعني أنهم في الدنيا يجعلون حياة الآخرين المحتقرين جحيما وفي الآخرة سيدفعون ثمن ذلك بأن تصبح أبديتهم في الجحيم جزاء على تحويلهم حياة الآخرين إلى جحيم في الدنيا، وعندها لا يجدي ولا ينجي الإنسان تحججه بأنه كان تبعا لثقافته التي غشته وأخبرته أن تحقير وامتهان الآخرين وإساءة معاملتهم هو حق له تؤيده الأنظمة وليس عليه تبعات وعقوبات أخروية، لكن حقيقة الجزاء هي ببساطة ميزان «كما تدين تدان» «الجزاء من جنس العمل» «أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة أشدهم عذابا للناس في الدنيا» والشيطان الذي كان قبل الشيطان أي قبل إبليس والذي أغوى إبليس وأرداه وجعل الجحيم مأواه هو المنظور التحقيري وبخاصة تحقير الآخرين على عنصرهم كعنصر الأنوثة وعنصر العرق واللون وأنواع الانتماءات الطبقية والجغرافية والقبلية والحسب والنسب أي انتماءات لم يكتسبها الإنسان إنما ولد بها، والدراسات التي حققت بالأسباب والمسوغات وعلامات الخطر بالثقافات التي تنذر بوقوع عمليات الإبادة الجماعية توصلت لأن أول وأكبر المؤشرات على حتمية وقوع حرب أهلية وإبادة واغتصابات جماعية هو؛ تحقير المختلفين في الانتماء. لذا (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.. الكبر؛ بطر الحق وغمط الناس) مسلم. «بطر الحق»: التكبر على قبول الحق. «غمط الناس»: النظرة الدونية التحقيرية لهم.